شؤون سياسية

تحذير سعودي ناري لإيران قبل الانفجار

في قلب مشهد إقليمي يتأرجح بين التهدئة والانفجار، تتحرك المملكة العربية السعودية بثبات نحو منع كارثة جديدة قد تنفجر شرارتها من طهران. حين زار الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، العاصمة الإيرانية في منتصف أبريل، لم تكن زيارته مجرد لقاء دبلوماسي روتيني، بل كانت بمثابة ناقوس خطر. الرسالة التي حملها من الملك سلمان إلى القيادة الإيرانية كانت حاسمة: أمامكم فرصة أخيرة، استغلوها قبل أن يُغلق ترامب الباب للأبد.

من خلف أبواب مغلقة، اجتمع الأمير الشاب مع كبار قادة إيران. الحضور كان ثقيلاً سياسياً وعسكرياً: الرئيس مسعود بزشكيان، رئيس الأركان محمد باقري، ووزير الخارجية عباس عراقجي. وخلال هذا اللقاء النادر، قالها خالد بن سلمان بوضوح: “ترامب ليس من النوع الذي ينتظر طويلاً”. فريقه مستعد للتفاوض لكن الوقت يداهم الجميع. نافذة الدبلوماسية تضيق بسرعة، والبديل ليس سوى حرب مفتوحة قد تبدأ من إسرائيل ولا أحد يعرف أين تنتهي.

السعودية، التي لطالما خاضت معارك دبلوماسية طويلة مع طهران، تدرك الآن أن قوة النفوذ لا تكمن فقط في السلاح، بل في اللحظة المناسبة للضغط. ومع تآكل النفوذ الإيراني بعد الضربات الإسرائيلية القاسية في غزة ولبنان، ومع اختناق اقتصاد طهران تحت وطأة العقوبات الغربية، رأت الرياض أن الوقت حان لتذكير جارتها اللدودة بأن استمرار التحدي قد يعني نهاية مكلفة للجميع. الخسائر الإيرانية في الميدان والحصار الاقتصادي منحا السعودية اليد العليا، تمارس دور الوسيط بين نية أميركية في التصعيد ورغبة إيرانية في الصمود.

في الكواليس، يحذر الأمير خالد الإيرانيين من التمادي في اختبار أعصاب ترامب. فالرئيس الأميركي أعلن نيته خوض مفاوضات مباشرة مع طهران، لكنه لم يخفي رغبته في حسم هذا الملف سريعاً، وقد ترك لإسرائيل حرية التحرك إذا فشلت المحادثات. أمام هذا المشهد، يصبح الصمت تواطؤاً والمماطلة انتحاراً.

المفارقة أن الأمير خالد، الذي خدم سابقاً كسفير لدى واشنطن، يعرف جيداً مزاج ترامب، وهذا ما جعله يتحدث بلغة تحذيرية غير معتادة في مثل هذه اللقاءات. الرسالة السعودية كانت تقول: اختاروا الاتفاق، وإلا فأنتم وحدكم في مواجهة العاصفة.

لم يكن اللقاء مجرد نقاش حول برنامج تخصيب اليورانيوم أو رفع العقوبات، بل مواجهة دبلوماسية نادرة تعكس حجم القلق السعودي من اشتعال المنطقة. الأمير خالد تحدث عن غزة ولبنان، عن الفوضى المتكررة، وعن حاجتنا كعرب لمرحلة استقرار، لا مغامرة نووية جديدة. السعودية، التي تسعى لاستثمار مليارات الدولارات في رؤية تنموية طموحة، لا تستطيع المغامرة بحرب جديدة تهدد أمن الخليج، ولا تنوي أن تكون منصتها العسكرية نقطة انطلاق لأي ضربة ضد إيران.

في المقابل، رد الإيرانيون بحذر. نعم، قالوا إنهم يريدون اتفاقاً يخفف الضغط الاقتصادي. لكنهم شككوا في نوايا ترامب، ووصفوا أسلوبه بأنه متقلب، لا يمكن التنبؤ به. بل أشاروا إلى أنهم ليسوا على استعداد للتخلي عن برنامج التخصيب بالكامل فقط لإرضاء البيت الأبيض. ورغم اعترافهم بأن لديهم بعض التأثير على الحوثيين، أوضحوا أن السيطرة الكاملة عليهم مستحيلة.

لكن السعودية لم تكن وحدها في الضغط. الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بدأ تحركاً جديداً داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الهدف واضح: إعلان إيران دولة غير ممثلة الاتفاقات منع الانتشار النووي. هذا الإعلان، لو حدث، سيكون الأول منذ نحو عشرين عاماً، وسيعيد الملف الإيراني إلى مجلس الأمن. وهو تطور يحتمل أن يدفع طهران نحو خطوات تصعيدية نووية، ما لم يتم احتوائه بسرعة.

التقرير المنتظر من الوكالة سيكون حاسماً، ويتوقع دبلوماسيون أن يحمل لغة قوية قد تفتح الباب أمام عقوبات جديدة أو حتى مواجهة مفتوحة. وإذا ما صدر هذا التقرير كما هو متوقع، فإن إدارة ترامب تقترح قراراً يدين إيران رسمياً، وهو ما سيكون خطوة كبرى على طريق تدويل النزاع من جديد.

في هذا التوقيت المعقد، يصبح الدور السعودي أكثر أهمية من أي وقت مضى. الرياض اليوم ليست فقط قوة نفطية، بل لاعب دبلوماسي يعرف متى يتدخل ومتى يضغط. الأمير محمد بن سلمان، من خلال شقيقه خالد، أعاد فتح خطوط التواصل مع طهران، ليس حباً في التقارب، بل وعياً بأن تفادي الحرب أهم من كسبها.

وفي خلفية كل ذلك، تتحرك إسرائيل بصمت وترقب. بنيامين نتنياهو، الذي جلس إلى جوار ترامب في واشنطن، يحاول الضغط لشن ضربات وقائية على المنشآت النووية الإيرانية. لكن السعودية تسابق الزمن لمنع هذا السيناريو. الأمير خالد أبلغ الإيرانيين بصراحة أن بلاده لن تسمح باستخدام أراضيها أو أجوائها لأي هجوم، وهو موقف قد يكون طوق النجاة الأخير.

المعادلة الآن تتلخص في سؤال واحد: هل تلتقط إيران الفرصة وتفتح الباب لاتفاق ينقذ اقتصادها ويحمي أمن المنطقة أم تواصل الرهان على الزمن، و تفاجأ بأن الوقت قد انتهى؟

السعودية وضعت كل الأوراق على الطاولة، والخيار الأخير في يد طهران. ولكن في زمن ترامب، اللحظة لا تنتظر.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5526

موضوعات ذات صلة

عودة طلاس تشعل التكهنات حول مستقبل سوريا

المحرر

السوداني يحيل وزراء للقضاء ويتحدى خصومه

المحرر

إيران تناور والوقت يوشك أن ينفد

المحرر

برلمانيون: حكم الدستورية بشأن الإيجار القديم رفع الحرج عن الجميع

المحرر

حتى لا تواجه سوريا مصيراً يشبه العراق

المحرر

تدشين حزب الجبهة الوطنية رسميا

المحرر