عربي ودولي

تمويل أمريكي مباشر لقتل الأبرياء بغزة

وسط استمرار آلة الحرب التي تحصد أرواح الأبرياء في قطاع غزة، جاءت الأرقام المعلنة مؤخرًا عن حجم التمويل الذي حصلت عليه إسرائيل عبر سندات امريكية لتكشف بعدًا اقتصاديًا شديد الأهمية في مسار هذا الصراع، وهو ما يلقي بظلاله على المستقبل القريب. فقد تمكّنت إسرائيل من جمع رقم غير مسبوق تجاوز خمسة مليارات دولار من خلال برنامج إسرائيل بوندز، وهو ما يتجاوز ضعفي ما كانت تحصل عليه في الظروف الاعتيادية، ويعكس بوضوح إلى أي مدى أصبحت الحرب في غزة لا تُدار فقط من على جبهات القتال، بل من داخل غرف المال والنفوذ أيضًا.

هذا الرقم الضخم لم يكن ليتحقق لولا الدعم الواسع الذي حظيت به هذه السندات داخل الأوساط الأمريكية، سواء من مؤسسات مالية كبرى أو حكومات محلية على مستوى الولايات والمقاطعات. فلوريدا وحدها، وتحديدًا مقاطعة بالم بيتش، استحوذت على سندات بقيمة 700 مليون دولار، وهو ما وصفه البعض بأنه تمويل سياسي مقنّع، في ظل تقاطع المصالح بين أطراف أمريكية نافذة والدولة العبرية. لكن هذه الأموال، وفقًا لتحليلات خبراء الاقتصاد السياسي، لا تُصرف على مشاريع بنى تحتية أو دعم اجتماعي، بل تُغذّى بها حرب تُتهم بأنها حرب إبادة ضد المدنيين.

يرى اللواء أشرف فوزي، الخبير الأمني، أن هذا النوع من التمويل يمثّل تطورًا خطيرًا في طبيعة الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن استخدام أدوات اقتصادية مثل السندات المالية يُعتبر أكثر خطورة من الدعم العسكري التقليدي، لأنه يحمل طابعًا مؤسسيًا طويل الأمد ويصعب مواجهته دبلوماسيًا. ويتابع فوزي أن هذه الخطوة تشكّل غطاءً ناعمًا لاستمرار العدوان، وتحويل الاحتلال إلى مشروع قابل للتداول في الأسواق العالمية، بما يمنح إسرائيل حصانة مالية حتى في أحلك فترات الضغط الدولي.

ويتفق معه المحلل السياسي طارق الهواري، الذي يرى أن اعتماد إسرائيل على أدوات مالية مسجلة في الخارج، وتحديدًا في الولايات المتحدة، هو نوع من تدويل الصراع بطريقة غير مباشرة، مشيرًا إلى أن كل دولار يدخل من هذه السندات يُترجم إلى ذخيرة أو قصف أو استمرار لحصار خانق. ويضيف الهواري أن ما يثير القلق أكثر هو الرمزية الدعائية لبعض هذه السندات، مثل تسميتها بـمازل توف ومكابي، ما يعكس سعي إسرائيل لتحويل الحرب إلى حالة وجدانية تعبّر عن الهوية والانتماء، لا مجرد عملية عسكرية لها أهداف محددة.

ومع أن حجم العائد على هذه السندات قد يبدو مغريًا للمستثمرين  إذ تراوح ما بين 4.86% و5.44%  إلا أن دلالات هذا العائد تتجاوز لغة الأرقام. فكل نقطة مئوية من هذه الفوائد تُقتطع من معاناة آلاف العائلات الفلسطينية، وكل سند جديد يُباع هو عمليًا إطالة لعمر الحرب وتوسيع لدائرتها. وفي هذا السياق، يلفت بعض المراقبين إلى أن إسرائيل لا تعتمد فقط على السوق الدولية، بل على دعم داخلي كبير، إذ إن 80% من تمويلاتها تأتي من السوق المحلية، مستندة إلى تكتلات مالية ضخمة تدفع بعجلة الحرب نحو المزيد من التصعيد.

الضغوط السياسية الخارجية

ولا يبدو أن إسرائيل بصدد تخفيف هذا النهج، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أنها اقترضت خلال عام 2024 مبلغًا قياسيًا قدره 278.4 مليار شيكل، بينما تتوقع وزارة المالية أن تصل حاجتها التمويلية في العام القادم إلى 200 مليار شيكل إضافية. هذه الأرقام تعني ببساطة أن إسرائيل تسعى لاستدامة عدوانها عبر آليات اقتصادية دقيقة، تحصّنها من الضغوط السياسية الخارجية، وتمنحها حرية أوسع في إدارة الحرب من دون اكتراث للنتائج الإنسانية المترتبة.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، لا يبدو أن المجتمع الدولي يملك أدوات فاعلة لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها أو حتى الحدّ من مصادر تمويله. فرغم التحذيرات الصادرة عن منظمات حقوقية دولية حول استخدام هذه الأموال في قصف الأحياء السكنية، إلا أن السندات ما زالت تُباع وتُشترى وكأنها مجرد أدوات استثمارية، لا أدوات قتل منهجي. بل إن الدعم العابر للحزبين الأمريكيين  الجمهوري والديمقراطي  يضفي على هذا المسار شرعية إضافية، ويجعل من نقده أمرًا غير مرحّب به في بعض الأوساط الغربية.

كل ذلك يدفع إلى طرح تساؤلات مُلحّة حول مستقبل هذا النوع من الحروب المدعومة اقتصاديًا من الخارج، وعن إمكانية وضع قيود على تداول السندات التي تُستخدم في تمويل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وإذا كان الحاضر يشهد على عدوان يُدار بالأموال مثلما يُدار بالسلاح، فإن المستقبل مرهون بمدى قدرة المجتمع الدولي على فك الارتباط بين الاقتصاد والحرب، قبل أن تتحول أدوات التمويل هذه إلى قنوات شرعية لإبادة الشعوب تحت غطاء الاستقرار المالي.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=328

موضوعات ذات صلة

ناقوس الخطر يدق بالسودان.. مجاعة وخسائر بشرية مروعة

المحرر

سوريا الجديدة.. تحديات وشروط صعبة لاسترداد الدولة

المحرر

غضب الاحزاب : الجامعة العربية ترفض الدفاع المشترك

المحرر

مساعي إسرائيلية قديمة.. ما وراء قرار ترحيل سكان غزة ؟

المحرر

الشتاء يقسو على أطفال غزة.. وفاة أطفال وغرق الخيام

المحرر

خسائر تاريخية في أمريكا.. هذه محصلة حرائق كاليفورنيا

المحرر