شؤون سياسية

دمشق تجند من كانو خصوما بالامس

في مشهد إقليمي تتداخل فيه خيوط المصالح مع ضرورات الانتقال السياسي، فتحت واشنطن بوابة جديدة للإدارة السورية، بمنحها ضوءًا أخضر يسمح بانضمام آلاف من المقاتلين الأجانب، وعلى رأسهم الويغور القادمون من الصين ودول آسيا الوسطى، إلى صفوف الفرقة 84 المستحدثة في الجيش السوري. هذه الخطوة، التي كانت حتى الأمس القريب مستحيلة سياسياً، أصبحت اليوم خيارا استراتيجياً مدروساً، يخضع لمعايير “الاحتواء المشروط” لا الإقصاء المطلق.

تحول أمريكي واضح

التحول في الموقف الأمريكي لم يأتِ من فراغ، بل من قناعة بأن الفراغ الأمني أخطر من الخصم المنضبط. منذ جولة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الشرق الأوسط، وتحديدا بعد لقائه بالرئيس السوري المؤقت في الرياض، بدا أن السياسة الأمريكية تجاه دمشق قد دخلت تطورًا جديدا. التفاهمات أصبحت أكثر براغماتية، والتطبيع الأمني حلّ محل الشروط الصارمة التي كانت تفرض استبعاد المقاتلين الأجانب نهائيا.

تصريحات لافتة

المبعوث الأمريكي توماس باراك لم يخفي هذا التحول عندما صرح من دمشق بأن “ضم هؤلاء المتشددين إلى مشروع الدولة أكثر فائدة من تركهم عرضة للتطرف مجددا. وصفهم بأنهم “مخلصون للغاية” للإدارة الجديدة، وهو وصف يحمل دلالة مزدوجة: إقرار بالتحول في ولاءاتهم، واعتراف بأهمية خبراتهم في دعم المؤسسة العسكرية الناشئة.

رؤية دبلوماسية مصرية

السفير دعاء عماد الدين، سفير مصر الأسبق بالولايات المتحدة، وصف ما يحدث بـ الهندسة السياسية الجديدة التي تهدف لضمان الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب. وتقول إن دمج عناصر كانت محسوبة على معسكر العنف في الجيش الرسمي قد يبدو مخاطرة، لكنه أذكى من تركهم في الظل وترى أن واشنطن تدفع باتجاه تحصين سوريا من احتمالات الانهيار الأمني عبر أدوات غير تقليدية.

تحذيرات مدنية مصرية

من جهتها، ترى مها الشريف، رئيسة تيار المستقبل ضد العنف والإرهاب، أن الضم يجب ألا يكون شكليا، بل حقيقيا مبنيا على “تفكيك الفكر المتطرف، وليس فقط استيعاب الأشخاص. وحذر من أن مجرد تغيير الزي لا يعني بالضرورة تغيير العقيدة. الخطورة تكمن في أن هؤلاء قد يستيقظون يومًا ما على هوياتهم القديمة، إن لم يعاد تأهيلهم فكريا بشكل جاد

قلق أمني متصاعد

التحذيرات لا تقتصر على الداخل السوري، بل تمتد إلى الأوساط الأمنية الدولية. التقارير تتحدث عن أن بعض هؤلاء المقاتلين يمتلكون سجلًا حافلا في الجماعات الجهادية، ما يثير التساؤلات حول قدرة الدولة السورية على مراقبتهم وضمان عدم تسرب الفكر المتطرف إلى داخل المؤسسة العسكرية ذاتها. حتى التنقيح الأيديولوجي المعلن عنه، يراه البعض إجراء غير كاف ما لم يقترن بتغيير جذري في منظومة التفكير والسلوك.

واقع جديد معقد

الواقع يقول إن الحزب الإسلامي التركستاني، الذي كان مصدر قلق دائم للصين، أعلن رسمياً حلّ نفسه واندماج في الجيش السوري، وهو إعلان يحمل دلالات سياسية عميقة. بكين من جانبها طالبت دمشق بالتعامل الجاد مع “كل أشكال الإرهاب، تراقب عن كثب ما إن كان انخراط الويغور في الجيش يتقلص من نفوذهم أم يعيد إنتاجه بهيكل جديد أكثر شرعية.

ملف العائلات الساخن

أبعد من السياسة والعسكر، هناك ملف شديد الحساسية ينتظر المعالجة: مصير عائلات هؤلاء المقاتلين، من نساء وأطفال، خاصة الموجودين في مخيمات مثل الهول. هل سيتم دمجهم في المجتمع؟ هل هناك خطط تعليمية ونفسية لاستيعابهم؟ أم أن الدولة السورية الجديدة تكتفي بدمج المقاتلين وتُهمل النسيج الأخطر، وهو النشء المتطرف المحتمل؟

احتمالات متضاربة

ما بين فرصة التحول ونُذر الانفجار، تقف سوريا على حافة تجربة غير مسبوقة. إما أن تنجح في بناء جيش يتسع للجميع دون أن يفقد هويته، أو أن تدفع ثمن المجازفة انفلات من ظنت أنها نجحت في احتوائهم. في كل الحالات، القرار الأمريكي بفتح الباب أمام دمج المقاتلين الأجانب، وتحديدا في الفرقة 84، سيكون نقطة ارتكاز في تشكيل مستقبل سوريا  سواء كان أكثر أمنا.أو أكثر اضطرابا.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5517

موضوعات ذات صلة

بغداد فى مرمى نيران الكونجرس الأمريكي

المحرر

حين تتحول العمامة إلى سلطة

المحرر

مد العمل بقانون المنارعات الضريبية

المحرر

إيران وإسرائيل وترقب المواجهة المباشرة: ما بعد طوفان الأقصى

المحرر

لبنان على شفير الفتنة الطائفية بسب الفارين من الحرب

المحرر

الوقت ينفذ أمام طهران واوروبا

المحرر