سليدر

د. خيري دومة: فرحة التقديرية ينغصها حال غزة

 بهدوء العالم وصرامة الناقد يدرك التحولات الخفية في النص والمجتمع، شقّ الدكتور خيري دومة طريقه في فضاء الأدب العربي، ناقدًا ومفكرًا وأستاذًا جامعيًّا. وقد ترك بصمته في أجيال من طلابه وفي السجالات الفكرية والنقدية التي شهدها المشهد الثقافي المصري والعربي في العقود الأخيرة.

  لم يكن فوزه بجائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2025 مفاجئًا لمن تابع مسيرته الحافلة بالبحث الجاد والاشتباك الفكري مع قضايا الحداثة واللغة والهوية وتحولات السرد. إنه أحد الوجوه التي آمنت بالعقل النقدي في زمن سادت فيه العواطف والانطباعات.

  في هذا الحوار، تقترب “صوت البلد” من رؤيته، وتستمع إلى تأملاته حول الجائزة والمشهد الثقافي الراهن.

 بدايةً، ماذا يمثل لكم الفوز بجائزة الدولة التقديرية؟

  لهذه الجائزة مكانة خاصة؛ لأنها تعني أنك قطعت مشوارًا كبيرًا قدّره الناس ومنحوك الجائزة تقديرًا له. كما أن اسم الجائزة ارتبط بأسماء كبار، والحاصل عليها ترشحه جهة من جهات التعليم والثقافة، ويحكم على مشواره محكمون لهم قدرهم. وآمل أن تكون هذه الجائزة دافعًا لاستكمال المشوار.

كيف استقبلتم نبأ الفوز؟

  استقبلت نبأ فوزي بفرحة، ولكن الأوضاع العامة، خاصة ما يجري في غزة وفلسطين عمومًا، لا تسمح لأحد بالفرحة الحقيقية. فالعالم كله يشعر بالأسى لما وصلت إليه إنسانيتنا قبل مصريتنا أو عروبتنا.

جذور التكوين النقدي

هل ترى تأثيرًا مباشرًا للجائزة على المثقف والمجتمع؟

  بالتأكيد، للجائزة تأثير مباشر على المثقف، فهي تحثه على مزيد من العمل، وتدفعه إلى مراجعة مشواره والتفكير في الجديد. أما تأثيرها على المجتمع، فيتوقف على مدى اقتناع الناس بجدارة الفائز بها، وربما يدفعهم هذا إلى قراءة أعماله من جديد.

ما أبرز المحطات التي شكّلت وجدانكم النقدي والثقافي؟

  طفولتي في قريتي الصغيرة البعيدة، كفر إبراهيم بمركز دسوق، من أكثر المحطات تأثيرًا في حياتي. فالقرية الواقعة على النيل، بطبيعتها الخاصة وتكويناتها الاجتماعية المتنوعة، وأهلي الذين نشأت بينهم: أبي الفلاح العامل الحافظ للقرآن، وأمي ربة المنزل المثابرة، وإخوتي الذين تتوزع حياتهم بين البناء والصيد وغيرها من الحرف، كل هؤلاء شكلوا زادًا من المعرفة تتغذى عليه روحي إلى اليوم.

  المحطة التالية المهمة هي قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة. حين دخلت هذا المكان الذي يبدو عاديًّا في مظهره، تغيرت حياتي تمامًا، لأنني عرفت وجوه مصر التي أحببتها، ومعظمهم جاء من قرى كقريتي، وصاروا أعلامًا في مجالهم، وقدموا لاسم مصر منجزات باقية. أولهم بالطبع هو طه حسين، النموذج الذي احتذاه كل أبناء القرى المصرية الفقيرة. بعده تأتي أسماء يعرفها الواقع المصري كله، منهم: سهير القلماوي، وعبد العزيز الأهواني، ويوسف خليف، وشوقي ضيف، وعبد المحسن طه بدر، وسيد البحراوي، وعبد المنعم تليمة، وجابر عصفور، ومحمود فهمي حجازي… وقائمة طويلة، لكل واحد منهم طابعه الخاص ومنجزه الكبير. والمحطة الأهم دائمًا كانت أسرتي الصغيرة التي عاشت معي كل اللحظات، وتحملت كل المصاعب، ومنحتني الحب والمعونة، زوجتي ريمان نمر، وولداي نديم وآدم.

أعمالي قطعة مني

ما أقرب أعمالكم إلى قلبكم؟ ولماذا؟

  ليس لدي أعمال كثيرة، ولكن كل عمل أنجزته صار قطعة من روحي؛ لأنه عاش معي سنوات وزاحم أهلي وأولادي في العناية به. لي أربعة كتب ألّفتها، منها: “تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة”، و”أنت ضمير المخاطب في السرد العربي”، ولكن الأقرب إلى قلبي كتيب حول نظرية ما بعد الاستعمار ورواية “موسم الهجرة إلى الشمال”، وعنوانه “عدوى الرحيل”.

  ومقالة كتبتها عن رواية “البيضاء” ليوسف إدريس، عنوانها “بيني وبين نفسي: قصة الحب وقصة الثورة”. الكثير من هذه الكتب والمقالات قام على بحث موضوعي واستقصاءات، لكنها قامت قبل ذلك على اختيارات ذاتية وعاطفية.

كيف ترى علاقة الأدب بالمجتمع في زمن الرقمنة والتغيرات السريعة؟

  أنتمي في الأصل إلى مدرسة يقوم جوهر عملها على علاقة الأدب بالمجتمع. وفي زمن الرقمنة والتغيرات السريعة، صارت هذه العلاقة أكثر غموضًا، خصوصًا أن هذا الزمن لا يسمح بأي قدر من الخصوصية، ويتغير وفقًا لذلك كثير من صور الإبداع. نحن في عالم من الصور والأحاديث التي لا تنقطع ليلًا أو نهارًا، وكل هذا يدخلنا في حالة من السيولة، ويؤثر جدًّا على مدى إدراكنا الواعي لهذه العلاقة.

مأزق النقد العربي

كيف تقيّم حال الحركة النقدية في العالم العربي اليوم؟

  لقد تعبنا من الكلام عن قصور الحركة النقدية عن مواكبة الإبداع الواسع المطروح في الأسواق، وبالتالي دراسته وتقييمه. والحقيقة أن المبدعين في الرواية والقصة والشعر صاروا في غنى عن شهادة الناقد، وربما يكتفون بحفلات التوقيع والندوات.لكن للناقد في رأيي دور أهم، هو التأصيل والفهم وربط الظواهر وتفسير حركتها. وللأسف، فإن مجلات النقد صارت في معظمها محصورة بين جدران الجامعات ومحكومة بمعايير شكلية. وللأسف أيضًا، تعثرت المنابر العامة الكبيرة التي كانت تقوم بهذا الدور، مثل مجلة “فصول” ومجلة “ألف”. وهذا جزء من تعثر عام، أدعو الله أن يكشف الغمة وأن تزول هذه الحالة السائلة المخيفة التي لا ملامح لها، وأن نبدأ عصرًا جديدًا تنطلق فيه الأقلام بالدراسة العميقة وبقول الحقيقة.

إبداع جيل الشباب

ما رأيك في الإنتاج الأدبي الجديد، خصوصًا من جيل الشباب؟

  ليست لدي القدرة على المتابعة الدقيقة لكل ما يصدر من أعمال، لكن المتابعة حاضرة بشكل إجباري، عبر لجان التحكيم التي أشارك فيها، ومعظمها في الرواية والقصة القصيرة والنقد. أما الشعر، فأتابعه بدافع الحب.قرأت عددًا هائلًا من أعمال السرد والنقد في العقود الأخيرة، وكلها تشير إلى خصوبة حقيقية ورؤى تسعى إلى اكتشاف طرق جديدة، وكلها تجسد مسافة تتسع بين جيلي والأجيال اللاحقة. ومع ذلك، هناك روح واحدة تحكم الإبداع، والأعمال الأصيلة تفرض نفسها على قارئها.

هل لديك مشروعات جديدة للمستقبل؟

  أعكف منذ عامين على بحث يتتبع سيرة مصطلح “رواية” العربي، بين من روجوا له ومن هاجموه، وكيف صرنا فيما أطلق عليه “زمن الرواية”. وهي رحلة بحث تفصيلية ثقافية تعتمد على الكثير من المصادر، آمل أن أنشره في الشهور القادمة. ولدي مشروع آخر أقدم بكثير عن الشاعر محمود حسن إسماعيل، وصوره الشعرية الخاصة حول فكرة “الحرمان”، وعن صياغاته الجمالية التي قدمت منجزًا سبّاقًا في الشعر العربي الحديث.

  ومشروع ثالث عن كيفية استقبال واحدة من الروايات العالمية الأولى في ثقافتنا العربية الحديثة، وهي رواية “روبنسون كروزو” لدانيال ديفو، التي استقبلت في ثقافتنا بعيدًا عن تداعياتها الاستعمارية الواضحة، بينما استقبلت في الثقافة الأفريقية مثلًا في قلب هذا الفهم الخاص لمعنى الرواية. ومادتي هنا هي الترجمات المختلفة التي حظيت بها الرواية إلى اللغة العربية خلال قرنين أو أكثر.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=268

موضوعات ذات صلة

د. مجدي بدران لـ(صوت البلد): “عيش حياتك صح وبلاش أكل غير صحي”

المحرر

الأحزاب تشيد بإحباط مخطط حسم الإرهابي

المحرر

تطوير 30 جمعية بالأراضي المستصلحة

المحرر

انطلاق حملة التوعية بمقاومة مضادات الميكروبات بأسيوط

أحمد الفاروقى

حائط الذكريات يشرق في أرض اليابان

المحرر

وزير الزراعة لـ ( صوت البلد) : الزراعة خط الدفاع الأول لـ مصر

المحرر