عربي ودولي

سوريا الجديدة.. تحديات وشروط صعبة لاسترداد الدولة

سقوط نظام بشار الأسد، ليس النهاية السعيدة للقصة السورية، إنما بداية هذه القصة، التي يتربص بها ما قد لا يسرّ السوريون، ولقد أثبت التاريخ في غير تجربة، أن أسهل مرحلة في تأسيس نظام جديد، كانت بإسقاط النظام السابق، حتى لو كان ذاك النظام بصلافة البعث السوري.

فلم تسقط دمعة واحدة من البشرية على سقوط نظام الأسد، النظام الديكتاتوري الذي عرف بالمسالخ البشرية على غرار سجون صيدنايا وعدرا وتدمر وفرع فلسطين، وحفر الموت الجماعي في الجنوب الدمشقي، ومصانع الكبتاغون المنتشرة في مشارق البلاد ومغاربها، ولا باستطاعة أحد نسيان المشاهد المفرطة في قسوتها حين ضرب غاز السارين على أطفال نيام، في غوطتي دمشق، الشرقية والغربية.

المرحلة الانتقالية

أكدت دراسة سياسية جديدة صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّه بعد سقوط نظام بشار الأسد، تُمثّل المرحلة الانتقالية في سوريا فرصةً تاريخيةً لإعادة بناء سوريا على أسس ديمقراطية وعدالة شاملة، وإنشاء نظام يحظى بشرعية شعبية.

واعتبرت الدراسة التي حملت عنوان “سورية الجديدة: خارطة طريق للمرحلة الانتقالية”، أنّ النظام الجديد يجب أن يستند إلى مبادئ الحكم الرشيد، والمشاركة الشعبية، واحترام حقوق المواطن وحرياته، والتعددية السياسية والثقافية والدينية والمذهبية للمجتمع السوري.

وأضافت أنّ هذه المرحلة تتطلّب مواجهة التحديات الكبيرة، المتمثّلة في ضعف مؤسسات الدولة، وانهيار بعضها (الجيش والأمن)، وانعدام الثقة بين مختلف الفئات الاجتماعية، والتدخلات الخارجية، والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ما يتطلّب خطة واضحة للانتقال تسمح بالتغلّب على هذه التحديات.

نجاح هذه المرحلة يعتمد على وضوح الرؤية وشمولية الإجراءات والوحدة الوطنية لإنجاح الانتقال، ودعم المجتمع الدولي، من خلال: تشكيل مجلس انتقالي قوي، وإعلان دستوري شامل، وصياغة دستور ديمقراطي يضمن الحقوق العامة، ويمكّن من تحقيق انتقال سياسي مستدام وبناء سوريا المستقبل التي تطمح إليها الأجيال المقبلة.

شروط قيام الدولة

الشرط الأول يتحدث عن شكل الحكم في سوريا الجديدة، بمعنى أنها يجب أن تكون دولة مدنية، وذلك ليس لترف فكري، أو تمنيا لسوريا ذات مظهر حسن، إنما أن السوريين مزركشون في تعددهم وتنوعهم، نعم، هناك أغلبية من المسلمين السنة، لكنها تبقى أغلبية كبيرة وليست كاسحة، حتى يكون فيها الحكم دينيا ومستندًا إلى تفسير المسيطرين على المشهد اليوم في دمشق، لنهج الدين الإسلامي.

وقبل أن يضطر المرء لتعداد عشرات الديانات والمذاهب والإثنيات التي تحتضنها سوريا، مهم جدًا التذكير أيضًا أن المسلمين السنة الذين يحبذون الدولة المدنية ويؤمنون بها ليسوا قلة، كثير من هؤلاء تذوقوا طعم الدول الحديثة حين لجؤوا إلى دول غربية، وتعايشوا مع قيمها وأنظمتها الاجتماعية.

وهكذا إذا ما قسمنا المجتمع السوري إلى فريقين، واحد يريد دولة دينية وثان لا يريدها، فإن أسوأ الاحتمالات ستأخذنا إلى تعادل، ما يعني أنه لو فرضت دولة دينية، ستكون رغمًا عن أنف نصف المجتمع، وهذا الشرح كله للقول إن حتى فكرة الأغلبية ليست حقيقية ولا دقيقة هنا.

والأهم أن إجبار أي أكثرية لأقلية على خيارات تمس بحقوقها وخصوصياتها، ليست ديمقراطية إنما دكتاتورية أغلبية، ذاك أن الديمقراطية تقوم على قيم حداثية، وليس مجرد صندوق انتخاب يفرز أصواتاً أكثر.

ثم قبل ذلك، ثمة حاجة للتنويه هاهنا، أن الدولة المدنية، تعني بالضرورة، الدولة العلمانية، لأن طيفًا من الإسلاميين بارعون في التحايل على المفردات في هذا المقام، بتفسير الدولة المدنية أنها ليست عسكرية وحسب، أبدًا، إن لم تكن علمانية فلا هي مدنية ولا هي دولة أصلاً بمعناها الحديث.

وضع الأكراد

محنة الأكراد في سوريا ليست وليدة الحرب الأهلية، بل تعود إلى ستينيات القرن الماضي، عندما همش حزب البعث، الأكراد في محافظة الحسكة بشكل منهجي وجردهم من جنسيتهم وحقوقهم المدنية.

وخلال أكثر من عقد من النزاع في سوريا، تمكن الأكراد من تأسيس إدارة ذاتية في شمال وشمال شرق البلاد، حيث أحيوا ثقافتهم وتراثهم، واستفادوا من الدعم الأمريكي في حربهم ضد تنظيم “داعش”.

ومع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتبدّل القيادة في دمشق، يواجه الأكراد مرحلة جديدة من التحديات، يكتنفها الغموض وسط تنازع مصالح القوى الإقليمية والدولية.

بينما يتزايد التوتر بين الفصائل الموالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، تبرز سيناريوهات متعددة تحدد مستقبل هذه الإدارة في سوريا.

في خطوة لافتة، أبدت الإدارة الذاتية الكردية استعدادها للتعاون مع القيادة الجديدة في دمشق. وأعلنت عن رفع علم الاستقلال السوري على مقراتها، في محاولة لتعزيز الحوار والبحث عن حل سياسي شامل.

من جانبه، قال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، إن “التغيير في القيادة فرصة لبناء سوريا جديدة تضمن حقوق جميع السوريين”. إلا أن قادة هيئة تحرير الشام، التي تسيطر الآن على الحكم في دمشق، رفضوا أي شكل من أشكال الفدرالية، مؤكدين أن مناطق سيطرة الأكراد ستُدمج ضمن الدولة الجديدة.

دور تركيا

تعزز تركيا وجودها العسكري في شمال سوريا، مع وجود قوة تقدر بين 16 و18 ألف عنصر. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده ستساعد القيادة الجديدة في دمشق على إعادة بناء هيكل الدولة وصياغة دستور جديد، مع تأكيده على ضرورة القضاء على “المنظمات الإرهابية”، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني.

أردوغان أشار إلى أن استمرار العمليات العسكرية مرهون بإجراءات القيادة السورية الجديدة، داعياً إلى رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على النظام السابقلتسهيل إعادة الإعمار.

مع استمرار الضغوط التركية وغياب رؤية واضحة من القيادة الجديدة في دمشق، يبقى مستقبل الإدارة الذاتية الكردية معلّقاً.

ويواجه الأكراد خياراً صعباً بين التفاوض مع دمشق تحت ضغط أنقرة أو مواصلة الاعتماد على الدعم الأمريكي، رغم عدم وضوح استراتيجية واشنطن طويلة الأمد.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=4643

موضوعات ذات صلة

غضب الاحزاب : الجامعة العربية ترفض الدفاع المشترك

المحرر

ورقه الغاز تشعل التوتر بين مصر وإسرائيل

المحرر

خسائر تاريخية في أمريكا.. هذه محصلة حرائق كاليفورنيا

المحرر

تمويل أمريكي مباشر لقتل الأبرياء بغزة

المحرر

مساعي إسرائيلية قديمة.. ما وراء قرار ترحيل سكان غزة ؟

المحرر

بعد إيقاف العمل بالموازنة.. هذه خسائر سوريا بحكم الأسد

المحرر