البلد خانة

طبيبة كفر الدوار بين النصيحة الأخلاقية ومطرقة القانون

أثارت قضية الطبيبة وسام شعيب، طبيبة النساء والتوليد بمستشفى كفر الدوار العام، ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الأوساط القانونية والطبية في مصر، وذلك بعد نشرها لمقاطع فيديو عبر حسابها الشخصي تتناول فيها بعض القضايا الاجتماعية والطبية. فقد تطرقت في فيديو هاتها إلى أسرار شخصية تتعلق ببعض حالات مرضاها، بما في ذلك حالات حمل نتيجة علاقات غير شرعية، وفقًا لما ورد في الشكاوى والبلاغات الموجهة ضدها.

جاء هذا الجدل بعد تقديم عدة مؤسسات حقوقية وشكاوى فردية ضدها، إذ أشارت مؤسسة “تدوين لدراسات النوع الاجتماعي ومؤسسة قضايا المرأة المصرية ومبادرة حقي إلى أن شعيب ارتكبت انتهاكات لقواعد الخصوصية وسرية معلومات المرضى، فضلاً عن تهديد سلامتهم النفسية والجسدية. ودفعت هذه البلاغات السلطات إلى إحالتها للتحقيق، ما أدى لاعتقالها لفترة، لتخرج فيما بعد بمقطع فيديو تدافع فيه عن نفسها، مؤكدة أنها كانت تهدف إلى التحذير العام والتوعية.

تواجه شعيب اتهامات تتعلق بانتهاك الخصوصية والإفشاء عن أسرار المرضى، وهو ما يعتبره القانون المصري جريمة جنائية تخضع لأحكام قانون العقوبات وقانون مزاولة المهن الطبية. فالمادة (309) من قانون العقوبات تنص على تجريم نشر أي معلومات تتعلق الأسرار الشخصية أو الطبية، وتعتبر الإفصاح عن المعلومات الطبية للمرضى من دون موافقة مسبقة مخالفة صريحة لقواعد وأخلاقيات مهنة الطب. بالإضافة إلى ذلك، يتعرض من يخالف هذه القوانين إلى عقوبات تصل إلى السجن، خاصة إذا ارتكب هذا الفعل بهدف الإضرار بالغير.

ويوضح المستشار القانوني الدكتور سمير عليوة، أن القانون المصري صارم تجاه حماية أسرار المرضى، إذ يتيح للمرضى تقديم شكاوى ضد أي انتهاك الخصوصيه، ويمنح وزارة الصحة الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المخالفين. وفي حالة ثبوت تهمة الإفشاء، فقد يفرض على الطبيبة عقوبات قد تشمل الشطب من السجل الطبي.

يوضح المحامي  سيد مهران، أن حالة الطبيبة وسام شعيب تفتح الباب لمناقشة حدود حرية التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً بالنسبة للأطباء. حيث يشير إلى أن استخدام شعيب للمنصات الرقمية لتناول حالات مرضاها، حتى وإن كانت بغرض التحذير، قد يشكل مخالفة لأخلاقيات المهنة. فالقانون، وفقًا ل مهران، يلزم الأطباء بالالتزام بسرية المعلومات وعدم كشفها بأي شكل كان، حتى لو لم يتم ذكر أسماء المرضى، في المحتوى قد يحمل تلميحات قد تتسبب في الإيذاء النفسي لهم لذويهم.

من جانبه، يرى المستشار القانوني وايفى الهوارى أن من حق المرضى حماية أسرارهم، وأن دور القانون في هذا السياق يجب أن يكون حازما، معتبرًا أن هذه الحالة تعكس أهمية وضع ضوابط على المحتوى الطبي المتداول عبر الإنترنت. ويضيف أن القانون يجب أن يتعامل بصرامة مع الحالات التي يشتبه فيها بانتهاك الخصوصية، خاصةً في المجال الطبي، مؤكدًا ضرورة توعية الأطباء بهذه القوانين.

موقف وزارة الصحة ونقابة الأطباء

أعربت وزارة الصحة المصرية عن قلقها من هذه الواقعة، حيث أكدت في بيان لها أن الحفاظ على سرية بيانات المرضى هو أحد أهم المبادئ التي يجب أن يلتزم بها كل طبيب، وأن الوزارة تعمل على متابعة القضايا التي تتعلق بانتهاك أخلاقيات المهنة واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة. وشددت الوزارة على أنها ستتخذ كافة التدابير اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث، وحثت الأطباء على الالتزام بأخلاقيات المهنة وعدم نشر أي تفاصيل تخص المرضى عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أكد المتحدث باسم نقابة الأطباء، الدكتور عبد المنعم حسن، أن النقابة تراقب القضية عن كثب، وأنها تؤيد محاسبة أي طبيب يتجاوز حدود مهنته وأخلاقياتها. وأوضح أن شعيب قد تواجه إجراءات تأديبية صارمة من قبل النقابة، قد تصل إلى حد شطبها من السجل الطبي إذا ما ثبتت عليها تهمة إفشاء أسرار المرضى، معتبراً أن هذا النوع من السلوك يعكس صورة سلبية عن مهنة الطب.

القضية في الإعلام

تسببت هذه القضية في نقاشات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الحدود الفاصلة بين حرية التعبير والمسؤولية المهنية. ففي حين دافع بعض المستخدمين عن الطبيبة، معتبرين أنها كانت تسعى للتحذير من المخاطر الأخلاقية، انتقادها آخرون معتبرين أن ما قامت به يعد انتهاكا واضحاً الأخلاقيات الطب ولحقوق المرضى. وأعرب العديد من المهتمين بالشأن الطبي والقانوني عن تخوفهم من أن يصبح الأطباء أكثر عرضة للمساءلة القانونية بسبب محتوى يتم تداوله عبر الإنترنت.

ويرى بعض المتابعين أن هذه القضية قد تسهم في تحفيز النقابات والمؤسسات القانونية لوضع قوانين واضحة وصارمة تحكم تفاعل الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يضمن لهم حرية التعبير دون المساس بحقوق المرضى. كما أشار الإعلامي محمد شريف إلى أن هذه الواقعة تفتح باباً واسعاً للنقاش حول الحاجة إلى تفعيل قوانين حماية الخصوصية في عصر الرقمنة

تظل قضية الطبيبة وسام شعيب مثالا على التحديات القانونية والمهنية التي قد يواجهها الأطباء عند التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي. وبينما يشدد القانون على حماية أسرار المرضى ويمنع الكشف عنها بأي شكل كان، تبقى هناك حاجة لتعزيز الوعي بأهمية التزام الأطباء بأخلاقيات المهنة وعدم الانجرار وراء التريند أو الرغبة في التوعية دون ضوابط.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=4805

موضوعات ذات صلة

دار أوبرا أسيوط خطوة ثقافية تعيد إحياء الفنون في الصعيد

أحمد الفاروقى

علماء نفس يحللون واقعة فيديو طبيبة كفر الدوار

المحرر

انطلاق التشغيل التجريبي للأتوبيس الترددي

المحرر

فوضى الأسواق العشوائية تبتلع أحياء الإسكندرية الراقية

أيمن مصطفى

مشروع حيّنا قنا يحقق تقدمًا في تطوير المناطق الحضرية

أحمد الفاروقى

بدء موسم تصدير البرتقال المصري

عمر عزوز