ثقافة وأدب

طقوس وأسرار محترفات القراءة في معرض القاهرة للكتاب

كان العقاد يقول: إنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وهي لا تكفيني.. في القراءة تلتقي مرآتك مع عشرات المرايا التي تصبح نافذة لك على أزمنة وأماكن لم تطأها، وقد أثبت معرض القاهرة للكتاب؛ أنه الوحيد القادر على إعادة شغف المصريين بكل أعمارهم لسحر الحكاية والمعرفة.. حروف تحلّق بقارئها فلا يرسو إلا وهو إنسان جديد. 

وفي المعرض “مجتمع القراءة” بثالوثه المؤلف والقاريء والناشر؛ حيث يطيب الحديث والتوقيعات وصنع ألبوم صورٍ في حديقة الحروف..  وتبدو ظاهرة الدعاية والمسابقات واضحة في معرض هذا العام مع انتشار منصّات القراءة الإلكترونية التي أثبتت حضورها بين القراء.

يقول أنيس منصور أن القراءة طقس كالحب يمد من أعمارنا الطبيعية ويغمرها بالمعنى، وهو فوق ذلك فن وأسلوب حياة.. في السطور التالية تتحدث خمسٌ من محترفات القراءة والتدوين المصريات عن نصائحهن في الإعداد لغنيمة المعرض، وإلى اي مدى ساهمت تطبيقات القراءة الإلكترونية في حياتهن وقراراتهن الشرائية.. وأخيرًا يعترفن بأسرار إدارة الوقت بين الكتب والحياة.

الاشتياق لكنوز المعرض

راندا السيد، قارئة محترفة، ومديرة محتوى حديثا بإحدى دور النشر، وهي لا تزال على عادتها القديمة بزيارة المعرض في أول يوم، لا يوقفها زحام في سبيل لقائه.

عادة تسبق أيام المعرض مرحلة إعداد خطة الشراء او الـwish List والتي يتبادلها القراء المحترفون؛ ولكن أولويات كل قاريء تختلف..بالنسبة لراندا فالأولوية لكتاب غير متوفر إلكترونيا، وحين تشعر بأن الكتاب ستقرأه بالفعل ولديها شغف بموضوعه أو لغة كاتبه، بعيدا عن ضغط الدعاية والتخفيضات.

هذا العام تشعر “راندا” بحماسة كبيرة لجناح الكتب الأجنبية المخفضة Big bad wolf والذي يحل للمرة الأولى في معرض القاهرة، ولكونها من عشّاق القراءة بالإنجليزية أيضا، خاصة لروائع الأدب والتنمية البشرية، وإلى جانب ذلك تميل راندا للترجمات المبدعة لأعمال عالمية معاصرة وكلاسيكية، وتؤكد أن ازدهارا كبيرا يشهده المعرض للترجمات والكتب؛ وهذا ما يسعدها حيث القراءة بالعربية عشق لا يضاهى.

أن تقرأ وتكتب .. في أي مكان

دينا ممدوح محامية وكاتبة أصدرت هذا العام روايتها “الألم يُحصد الآن”، وهي تقرّ بأن القراءة وتدوين أفكار الكتابة عملية تداهمها في أي مكان، مهما كان الزحام من حولها. لا تجد دينا وقتا ثابتا للقراءة بحكم انشغالها كامرأة عاملة وأم، لكنها تقتنص هدأة الليل وساعات الصبح الأولى لتنجز الكثير.

من جهة أخرى أُفيدت دينا من القراءة الإلكترونية في تخفيض نفقات شراء الكتب والتي باتت متاحة دائما على هاتفك المحمول. ودينا إلى جانب ذلك تميل للكتب الصوتية والتي تجعلها تمارس هواية القراءة في ظل الانشغال داخل البيت. وبرغم تطبيقات القراءة، تخبرنا دينا بأنها ستظل مشدودة لاقتناء أعمال بعينها في مكتبتها الخاصة وممهورة بتوقيع مؤلفيها، وبعضها سبق لها أن قرأته إلكترونيا ولكنها تحب الاحتفاظ به، وترى أن لقاء المؤلفين وشراء الكتب هو بهجة المعرض كل عام.

أما “بروباجاندا” الكتب فالرهان فيها يظل على الكتابة الجيدة؛ فلا يمكن ان تصنع نجاحًا يدوم لكتابة هشّة، لهذا تشارك دينا في مسابقات الكتب؛ وتعتبرها حالة من السعادة تفوق ما تبذله ورفاقها في متعة القراءة، من جهدٍ.

                                            

                                                                      معرض القاهرة الدولي للكتاب

كيف تغتنم المعرض؟

زهراء إسماعيل، مهندسة وفاعلة بارزة في عديد من تحديات ومنصّات القراءة، لا يأتي المعرض إلا وتنشر نصائح عملية ومنها الاستهلال في زيارة المعرض بالأجنحة الرسمية والمخفضة مثل صالة “6” والتي تضم الجناح الأجنبي وسور الأزبكية والناشرين العرب، وصالة “5” لليافعين والأطفال، ثم العودة لصالة المصريين بتشعباتها وكنوزها، مع أهمية إعداد قائمة ثابتة بالكتب والفاعليات ومواقعها، توفيرًا للجهد.

ترى زهراء أن تطبيقات القراءة دفعت الحياة لأفق متجدد بإتاحة ثمرات الناشرين بشكل شرعي بعيدا عن القرصنة، وخلقت حالة مستمرة من التنافسية على القراءة والتدوين، إضافة للكتب الصوتية ومتعتها الخالصة، ولكن ذلك يجب أن يكون بموازاة متعة الكتاب الورقي ورائحته المميزة وتفاعلك الملموس معه.

بين قائمتها الطويلة، تنوي زهراء اقتناء العديد من الأعمال الهامة عن فلسطين؛ فهي تؤمن بأن المعركة ضد عدونا تقوم على الوعي. وتنصح فتاة القراءة بصنع ذكريات جميلة مع المعرض تشمل التنزه مع الأصدقاء والتقاط الصور والاستمتاع بالموسيقى والفنون، في حدث لا يتكرر غير مرة سنويًا.

متعة المراجعات الأدبية

رحاب صالح، إعلامية مصرية، وأخصائية نشاط صحفي في إحدى المدارس، وهو عمل يتيح لها بشكلٍ يومي الاحتكاك مع الطلاب في المرحلة الإعدادية، وغالبا تدور قراءاتهم في نطاق الفانتازيا والرعب والتنمية البشرية، فتسعى رحاب للتعرض لها ومحاورتهم فيها بمنطق تربوي.. 

رحاب أيضا من عشاق القراءة وكتابة المراجعات، وهي ترى أن “الريفيو” هو عمل ممتع وممارسة يومية لعملية الكتابة الإبداعية. 

تؤكد رحاب أن التطبيقات الحديثة أتاحت بالفعل ما كان يصعب اقتناؤه في ظل غلاء الأسعار، كما أصبح بالإمكان الإلمام بأعمال كاتب معين تحبه، وبالإمكان تحميل كتبك لأي مكان وقضاء وقت ممتع معها، سواء مسموعة أو مقروءة، ودائما وأبدا يبقى الكتاب خير جليس في الزمان، وبسببه نصنع صحبة فريدة يشاركوننا ذات الشغف.

شدُّ الرحال لعرس الكتاب

هبة سعد قارئة سكندرية ومساهمة بعدد من منصّات القراءة، وهي وشقيقتها “دعاء” من عشاق القراءة، وترى هبة أن الدعاية الحديثة أصبحت ظاهرة – تشمل عادة إجابة أسئلة والإشارة للأصدقاء عبر صفحات القراء للفوز بنسخ مجانية موقعة- وتلك الدعاية هي حافز لمعرفة روائع كثيرة، لكن يصاحبها صعود مؤسف لأعمال ضعيفة بضغط الإلحاح والدعاية من قبل الناشرين عبر شبكات التواصل..

أما الكتب الإلكترونية فترى هبة أنها وإن كانت لا تغني أبدا عن متعة الورقي، لكنها تطورت وصارت تتيح ملاحظاتنا ومشاركة اقتباساتنا، وبهذا فنحن نصنع نسخا شبه شخصية ونعيش تجربة فارقة في الفضاء الإلكتروني، كما انها الوسيلة الوحيدة لعدم انتهاك حقوق الملكية وتهديد صناعة النشر. . ورغم أنها ابنة الاسكندرية ومعرضها العريق، لكن هبة ترى زيارة القاهرة طقسا فريدا لا يمكن التأخر عن تلبيته في كل عام.

بابتسامة أجابت القارئات المحترفات عن سؤال: ماذا تفعلن في كتب المعرض الماضي والتي لم تُقرأ بعد؟! وبعضهن قررن صنع خطة لإنجاز الروائع؛ لأن الكتاب له صوت يعاتب صاحبه حين يهمله! 

في كتابه الرائع “متعة القراءة” يقول الفرنسي دانيال بناك: يبني الإنسان بيوتا لأنه يعرف أنه حي، لكنه يكتب كتبًا لأنه يعلم أنه فانٍ. وهو يعيش ضمن جماعات لأن لديه غريزة التجمع، لكنه يقرأ لأنه يعلم أنه وحيد. وهذه الصحبة تنسج تواطؤا مع الحياة على منحه لحظات من السعادة وحميمية تشعرنا بامتلاك الكتاب الجميل حين ننتهي منه.. فقد أصبح بحق جزءًا منّا!

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=531

موضوعات ذات صلة

الزلوعي: شجرة الميلاد لها جذورعميقة في مخيلة البشر

المحرر

معرض الكتاب حالة ثقافية فريدة لهذه الأسباب

المحرر

“فارس يكشف المستور”.. مواجهة تدمير الشرق وجهًا لوجه

المحرر

لوران موفينيه يخطف “غونكور” برواية تفتح باب الذكريات

المحرر

زوال دولة الكيان الصهيوني في معرض الكتاب

المحرر

مفكرون وباحثون: لا استقرار للمنطقة بدون الدولة الفلسطينية

المحرر