شؤون سياسية

طهران تشتعل غضبا من خيانة موسكو

تمر العلاقات الإيرانية الروسية بلحظة دقيقة من التوتر الدبلوماسي، بعد أن تصاعدت انتقادات إيرانية رسمية وغير رسمية تجاه ما وصفته طهران بـالموقف المتخاذل من جانب موسكو تجاه الهجمات الإسرائيلية والأمريكية التي طالت منشآت حساسة داخل إيران، خاصة المنشآت النووية. وبرغم البيانات الروسية التي أدانت تلك الهجمات ووصفتها بأنها “غير مبررة، فإن غياب التحرك العملي دفع طهران إلى مراجعة طبيعة الشراكة الاستراتيجية القائمة، ومدى قدرة موسكو على لعب دور الحليف الحقيقي في أوقات الأزمات.

في موسكو، ترفض القيادة الروسية الاتهامات الموجهة إليها بالتقصير، مؤكدة أنها تبنت موقفا واضحا من خلال الإدانة الرسمية، وأنها تحافظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط. ذلك التوازن، كما ترى موسكو، لا يعني التفريط في التحالف مع طهران، لكنه يستهدف حماية مصالح استراتيجية متعددة، في وقت تخضع فيه روسيا لضغوط دولية معقدة مرتبطة بعقوبات الغرب على خلفية الحرب في أوكرانيا.

وتشير طبيعة التحرك الروسي إلى حسابات دقيقة تتجاوز الاعتبارات الآنية، حيث تسعى موسكو إلى الإبقاء على موقعها كقوة إقليمية لها تأثيرها، من دون الانزلاق إلى صراعات مباشرة قد تكلّفها الكثير سياسيا عسكريا. يتسق ذلك مع التزامها باتفاقية التعاون الشامل مع إيران، والتي وإن كانت تشمل تنسيقا عسكريا، إلا أنها لا تحتوي على بنود ملزمة بالتدخل الدفاعي المباشر في حال تعرض أحد الطرفين لهجوم خارجي.

في هذا السياق، يرى المستشار محمد عزت، أستاذ الشؤون السياسية الأمريكية، أن ما يحدث هو انعكاس طبيعي لطبيعة التحالفات المتغيرة، ويقول: روسيا لا تتحرك وفق شعارات أو عواطف حاجة چ، إنما وفق حسابات دقيقة لمصالحها. هي تدرك أهمية إيران حليف إقليمي، لكنها تدرك أيضًا مخاطر الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، وهو ما تحاول تجنبه بكل السبل. ويضيف عزت أن التوازن الذي تحرص عليه موسكو قد يفهم في طهران على أنه تراجع أو خذلان، لكنه في الواقع يعكس سياسة روسية ثابتة تتجنب الصدامات المباشرة مهما كانت الضغوط.

حالة من الإحباط

في المقابل، تتعامل طهران مع الموقف الروسي بقدر من الحذر، لكنها لا تخفي انزعاجها من محدودية الدعم العملي. التصريحات الصادرة من بعض دوائرها السياسية تعبر عن حالة من الإحباط، لكنها في الوقت نفسه لا تسعى إلى تصعيد الخلاف مع موسكو، إدراكا لأهمية هذا التحالف في ظل حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي. يفهم من ذلك أن إيران تتجه نحو مراجعة تكتيكية للعلاقات، وليس نحو القطيعة، خصوصًا في ظل قناعتها بأن أي خسارة للتحالف مع موسكو قد تفتح الباب أمام مزيد من الضغوط الغربية.

وترى المحللة السياسية مها الشريف، نائب رئيس حزب الغد، أن إيران تحاول استخدام هذا الظرف لإعادة ضبط إيقاع العلاقة مع موسكو، لكنها لا تملك رفاهية التصعيد، وتقول: “القيادة الإيرانية تراهن على استمرارية العلاقة مع روسيا، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن موسكو لن تضحي بعلاقاتها مع تل أبيب أو أي طرف آخر من أجل موقف تكتيكي. ما تفعله إيران الآن هو محاولة لجسّ النبض، وليس قطع الجسور

الإعلان الأخير من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف شامل لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل، منح روسيا فرصة لإعادة تأكيد دورها كوسيط إقليمي. الكرملين رحب بالهدنة، واعتبرها امتدادا لدعواته المتكررة للتهدئة، وأشاد بدور قطر في الوساطة. هذا التحول يمنح موسكو مساحة جديدة للحركة، لكنه لا يعافيها من الانتقادات الإيرانية التي ما زالت ترى أن بيانات التنديد لا تكفي للوفاء بمتطلبات الشراكة الاستراتيجية

في ضوء ذلك، من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدا من التفاوض الضمني بين طهران وموسكو بشأن طبيعة وحدود التعاون بينهما. إيران، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية متزايدة، بحاجة إلى تحالفات أكثر فاعلية، بينما تسعى روسيا إلى إدارة شبكة معقدة من العلاقات دون أن تخسر أطرافها. ويبقى السؤال المطروح في الأوساط السياسية الإيرانية: هل يمكن الاعتماد على موسكو كشريك استراتيجي في أوقات الخطر، أم أن روسيا ستظل تكتفي بالدور الرمزي دون الدخول في التزامات عملية

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5475

موضوعات ذات صلة

تصعيد ملف الرهائن: ورقة ضغط أم مسار لحل الأزمة

المحرر

الجنائية الدولية تضع ليبيا أمام اختبار جديد

المحرر

غارة نوعية تعصف بالحوثيين وتربك المشهد اليمني

المحرر

نتنياهو يقبل بوقف إطلاق النار في لبنان

المحرر

دمشق وقسد على صفيح ساخن

المحرر

حزب الله في مواجهة العقوبات الداخلية

المحرر