شؤون سياسية

طهران تغازل واشنطن التفتيش مقابل التفاهم

في تطور لافت للمشهد النووي المتأزم بين إيران والولايات المتحدة، يطل هذا الأسبوع محملاً بإشارات متناقضة بين التوتر والرغبة في كسر الجمود. تصريحات متفائلة من مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، تعكس تفاؤلاً حذراً بإمكانية سد الفجوة العميقة التي تفصل بين رؤيتي واشنطن وطهران، في حين تسربت من العاصمة الإيرانية نغمة لم نعتد سماعها منذ سنوات؛ نغمة تبدي استعداداً مشروطاً لفتح المنشآت النووية أمام المفتشين الأمريكيين، وهي خطوة كانت تعد سابقاً من المحرمات لدى صانعي القرار في طهران.

التحول الإيراني لم يأت من فراغ، بل في خضم محادثات عالية المستوى تدار بهدوء خلف الأبواب المغلقة بوساطة عمانيه. الحديث عن قبول إيران مفتشين أمريكيين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يضع الكرة في ملعب واشنطن، التي ما زالت تُصرّ على وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل، بينما تراه طهران حقاً سيادياً لا نقاش فيه. المفارقة أن طهران، التي لطالما اعتبرت أن واشنطن تسعى إلى خنق برنامجها النووي، تبدو الآن مستعدة لتقديم تنازل رمزي مقابل الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية.

الرسائل التي تحملها هذه التصريحات تتجاوز لغة الدبلوماسية المعتادة، وتوحي بأن الطرفين  وإن لم يصلا إلى أرضية مشتركة بعد  يدركان أن المراوحة لم تعد خياراً عملياً. الخوف الأمريكي من اقتراب إيران من العتبة النووية، مدفوعاً بتقارير الوكالة الدولية التي تقدر وصول نسبة التخصيب إلى 60%، يقابله توجه إيراني غير معلن نحو تهدئة المشهد، شرط ألا ينظر إلى طهران منكسرة، بل كشريك قادر على فرض شروطه إذا ما تم احترام مصالحه.

في هذه اللحظة الدقيقة، يظهر رافائيل غروسي كوسيط متفائل، لكنه يضع الخطوط الحمراء بوضوح: أي اتفاق جديد لا بد أن يمر عبر تفتيش صارم جداً وهي عبارة تعني الكثير بالنسبة لمفتشي الوكالة الذين طالما واجهوا عراقيل ميدانية في إيران. صحيح أن غروسي لم يطالب صراحة بإعادة العمل بالبروتوكول الإضافي، إلا أن تصريحاته إلى ضرورة آليات تحقق واسعة توحي بأن الأمور لن تترك لحسن النوايا وحده.

حق السيادة

العلاقة بين المفتشين وحق السيادة الإيراني تظل الإشكالية الأكبر، إذ ترفض طهران أن يعاد سيناريو ما قبل 2018 حين كانت أبواب منشآتها مفتوحة على مصراعيها، وتؤكد في الوقت ذاته أنها لا تسعى لسلاح نووي، بل لمجرد استخدامات سلمية. ولعل ما يجعل هذه اللحظة مختلفة هو إقرار مصادر إيرانية رسمية، مساء الأربعاء، بإمكانية وقف التخصيب لمدة عام وإرسال جزء من المخزون المخصب إلى الخارج، بشرط الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة والاعتراف بحق التخصيب المدني. هنا، تتضح ملامح الصفقة الممكنة خطوة مقابل خطوة، وضمان مقابل ضمان.

المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، الذي يتابع بدقة مفاوضات لا تشارك فيها الوكالة رسمياً ولكنها تواكب عن كثب، يعلم جيداً أن اختبار النوايا في الملف الإيراني لم يعد كافياً، وأن أي تفاهم لن يكون مستداماً دون أدوات تحقق واضحة ونافذة. لكن من الجانب الإيراني، لا يمكن بناء الثقة من جديد ما لم تبدا واشنطن مرونة تتجاوز مجرد العقوبات المشروطة والتهديدات التقليدية.

ربما تبدو المسارات متوازية لا تتقاطع، إلا أن غروسي يصر على أن الحل غير مستحيل. والرهان الآن على لحظة سياسية ناضجة تفضي إلى تفاهم سياسي أولاً، يفتح الباب أمام اتفاق تقني أشمل لاحقاً. قد لا يكون الأمر وشيكاً، لكن مجرد وجود إشارات متبادلة – ولو مترددة – يعيد إحياء فكرة أن الصراع النووي الإيراني لا يجب أن يحسم بوسائل عسكرية أو عزلة اقتصادية، بل من خلال صفقة جديدة تعيد ترتيب الأولويات وتمنع المنطقة من الانزلاق إلى سباق تسلح خطير.

وبينما العالم منشغل بأزمات متلاحقة، تظل عيون المراقبين مشدودة نحو طهران وواشنطن، تراقب بقلق خطوات قد تُعيدنا إلى روح الاتفاق النووي الأصلي، أو قد تنسف ما تبقى من جسور الثقة. وما سيحدث في الأيام المقبلة  خصوصاً مع زيارة وفد الوكالة الدولية المرتقبة لطهران  سيكون كفيلاً برسم ملامح المرحلة المقبلة: إما نحو التفاهم، أو العودة إلى مربع المواجهة

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5532

موضوعات ذات صلة

الدب الروسي في قلب أمريكا… قمة تكشف حدود القوة

المحرر

الرعب والخوف والهروب إلى الملاجئ بعد استهداف يافا

المحرر

واشنطن تطالب الدوحة بطرد قادة حماس بسبب الاسرى

المحرر

اعلان عباس بحق إسرائيل سيؤدى للمزيد من الاستيطان

المحرر

نعيم القاسم ومسار جديد لإيران أن تريح و تستريح

المحرر

بغداد فى مرمى نيران الكونجرس الأمريكي

المحرر