في عالم تتداخل فيه السياسة مع التكنولوجيا المالية؛ “لم يعد هناك شيء مستحيل، حتى عندما يصبح رئيس دولة؛ علامة تجارية في سوق العملات المشفرة.. فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأسلوبه غير التقليدي في إدارة السياسة والاقتصاد، العالم مجددًا بإطلاق عملته المشفرة الخاصة “$TRUMP”، التي سرعان ما تحولت من مجرد فكرة إلى ظاهرة مالية تهز الأسواق، فهل نحن أمام ثورة اقتصادية جديدة يقودها “ترامب”، أم أنها مجرد موجة مضاربة أخرى سرعان ما ستنحسر؟ خاصة وأن هذه العملة تُصنَّف ضمن فئة “ميم كوين” (Meme Coin)، المستوحاة من ثقافة الإنترنت، حيث تهدف إلى تعزيز التواصل مع مؤيديه وإثارة الاهتمام العالمي.
لقد تم الكشف عن عملة “$TRUMP” عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بترامب، مثل “تروث سوشيال” (Truth Social) و”إكس” (تويتر سابقًا)، ويتميز تصميم العملة بصورة لترامب رافعًا قبضته، إلى جانب عبارة “FIGHT FIGHT FIGHT”، في إشارة إلى رد فعله عقب محاولة اغتياله في يوليو 2024، ووفقًا للموقع الرسمي، سيتم إصدار مليار وحدة من العملة على مراحل خلال السنوات الثلاث المقبلة، بدءًا بـ200 مليون وحدة في المرحلة الأولى.
وفي هذا الصدد، يقول د. إسلام جمال، الخبير الاقتصادي ومحلل أسواق المال، يُمثل إطلاق الرئيس الأمريكي ترامب لعملته الجديدة المشفرة ظاهرة جديدة من نوعها في عالم الأصول الرقمية، حيث تجمع بين قوة التأثير السياسي والظاهرة الاجتماعية في الأسواق المالية نظرًا للارتفاع الصاروخي في قيمة هذه العملة خلال ساعات قليلة من إطلاقها، مما يعكس حالة غير مسبوقة من السلوك الاستثماري للمضاربين، والذي يثير مخاوف حقيقية حول استقرار هذا النوع من الاستثمارات ومدى الوثوق به.
وأضاف: الارتفاع الكبير للعملة بنسبة 4200% خلال ساعتين فقط يشير إلى حالة من “الفقاعة المالية” الكلاسيكية، وهذا النمط من الارتفاع السريع غير المبرر بأساسيات اقتصادية قوية يذكرنا بفقاعة “التوليب” الشهيرة في القرن السابع عشر، وفقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات، حيث إن الوصول إلى قيمة سوقية تتجاوز 12.5 مليار دولار في غضون دقائق معدودة يثير تساؤلات جادة حول استدامة هذا النمو، إذ يواجه المستثمرون في هذه العملة الجديدة مجموعة من المخاطر الجوهرية أولها التقلب الشديد في السعر مما يجعل من الصعب تقييم القيمة الحقيقية للعملة، وثانيها اعتماد العملة على شخصية سياسية يجعلها عرضة للتأثر بالتقلبات السياسية والتنظيمية، كما أن المخاوف من اختراق الحسابات الاجتماعية تضيف عبئًا إضافيًا لحالة عدم اليقين.
تداعيات اقتصادية
وتابع محلل أسواق المال: لهذه الظاهرة تأثير كبير على سوق العملات المشفرة بشكل عام، كما أن اختيار منصة سولانا كأساس للعملة قد يؤثر على مستقبل المنصة وقيمتها، فضلاً عن أن هذا الحدث قد يجذب المزيد من الاهتمام التنظيمي لسوق العملات المشفرة، خاصةً مع حجم التداول الضخم الذي شهدته العملة. وفيما يخص دلالات هذا الحدث فإنه يشير إلى تحول مهم في سلوك المستثمرين وطبيعة الأسواق المالية المعاصرة؛ فقد تجاوز العائد لهذه العملة؛ ما حققه مؤشر S&P 500، خلال 40 عامًا، مما يدل على تغير جذري في نمط الاستثمار وتفضيلات المستثمرين خاصةً في جيل الشباب.
وأشار “جمال” إلى أنه من المتوقع حدوث تقلبات حادة في قيمة هذه العملة في المستقبل القريب، وقد تؤدي عمليات جني الأرباح السريعة إلى انخفاضات حادة في السعر، كما أن التطورات السياسية والتنظيمية قد تلعب دورًا محوريًا في مستقبل هذه العملة. حيث ننصح المستثمرين بتوخي الحذر الشديد عند التعامل مع هذا النوع من الاستثمارات، ويجب النظر إلى عملة “ترامب” كاستثمار عالي المخاطر ويفضل عدم تخصيص نسبة كبيرة من المحفظة الاستثمارية لها، كما يجب أيضًا على المستثمرين دراسة الجوانب التقنية والقانونية بعناية قبل اتخاذ أي قرار استثماري.
لافتًا إلى أن هذا الحدث قد يؤدي إلى تغييرات في السياسات التنظيمية للعملات المشفرة، مشيرًا إلى أن هذا المشهد قد يؤثر على مستقبل التمويل الرقمي بشكل عام، كما أنه قد يغير من نظرة المؤسسات المالية التقليدية تجاه العملات المشفرة وعملات الميم بشكل خاص.
أداء العملة في السوق
وفي ذات السياق؛ أشار د. عبد المنعم السيد، مير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن عملة “$TRUMP” قد شهدت ارتفاعًا حادًا في قيمتها السوقية عقب الإطلاق، حيث قفزت بنسبة 220% لتصل إلى 4.25 مليار دولار في غضون ساعات. كما ارتفع سعرها من 0.18 دولار إلى 7.10 دولارات، وبلغت قيمتها السوقية ذروتها عند 15 مليار دولار، قبل أن تستقر عند 7 مليارات دولار.
وأضاف مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية: أثار إطلاق هذه العملة ردود فعل متباينة. فبينما اعتبرها البعض خطوة مبتكرة لتعزيز التواصل مع القاعدة الجماهيرية؛ فقد حذَّر آخرون من مخاطرها المحتملة؛ ويرى عدد كبير من الخبراء أن العملة تفتقر إلى قيمة جوهرية، وتعتمد على المضاربة، مما يجعلها عرضة لتقلبات حادة. كما أعرب بعض الخبراء عن قلقهم من إمكانية استغلالها كوسيلة للتأثير على سياسات ترامب، خاصة من جهات خارجية.
وقال د. عمرو يوسف، أستاذ الاقتصاد والتشريعات المالية المساعد بأكاديمية الإسكندرية للإدارة والمحاسبة: أنه يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى جعل الولايات المتحدة الأمريكية رائدة في مجال التكنولوجيا المالية والعملات المشفرة، لافتًا إلى أن ترامب قد أصدر مؤخرًا أوامر تنفيذية لتعزيز استخدام الأصول الرقمية وتكنولوجيا البلوكشين، مع التركيز على إزالة اللوائح التنظيمية القديمة ووضع سياسات جديدة تدعم الابتكار.
وأشار أستاذ الاقتصاد والتشريعات المالية، إلى أن إطلاق عملة “$TRUMP” يُمثل تطورًا بارزًا في تقاطع السياسة مع التكنولوجيا المالية، كما أنه على الرغم مما قد تحمله هذه الخطوة من فرص استثمارية، إلا أنها تطرح أيضًا تحديات ومخاطر تتطلب دراسة متأنية من قبل المستثمرين وصناع القرار على حد سواء.
