شؤون سياسية

غارة نوعية تعصف بالحوثيين وتربك المشهد اليمني

منذ إعلان جماعة الحوثي في اليمن مقتل رئيس وزرائها أحمد غالب الرهوي وعدد من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت صنعاء، دخلت الأزمة اليمنية طورًا جديدا يحمل معه تصعيد غير مسبوق في معادلة الصراع الإقليمي. الجماعة، التي حاولت في البداية إنكار العملية، وجدت نفسها مضطرة للاعتراف بخسارة قيادية كبيرة طالت رأس الحكومة وعددا من أعضائها أثناء ورشة لتقييم الأداء الحكومي.

وبقرار سريع، كلف مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي للحوثيين، محمد مفتاح للقيام بأعمال رئيس الوزراء خلفا للرهوي، في خطوة بدت محاولة لملء فراغ سياسي وإداري كبير قد يفتح باب الانقسامات داخل الجماعة. وفي الوقت نفسه، جاء خطاب المشاط ليحمل وعيدًا مباشرا لإسرائيل، متوعدا بأيام سوداوية بالانتقام في وقت لم تعد فيه الجماعة تخفي تحركاتها ضد تل أبيب منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023.

اللواء يونس السبكي، الخبير الاستراتيجي، يؤكد أن الضربة الأخيرة تحمل أبعاداً تتجاوز كونها استهدافا لشخصيات قيادية. ويقول إن العملية تعكس قدرة استخباراتية إسرائيلية عالية على اختراق تحصينات الحوثيين والوصول لمكان اجتماع حكومي رفيع المستوى. ويضيف أن اختيار التوقيت لم يكن صدفة، حيث جاء متزامنا مع خطاب عبد الملك الحوثي، ما يشير إلى أن إسرائيل كانت ترصد بدقة تحركات الصف الأول للجماعة. ويرى السبكي أن مقتل الرهوي يعكس تحولا في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الحوثيين من سياسة الردع المحدود إلى سياسة الضربات النوعية، خصوصًا بعد تصاعد هجماتهم في البحر الأحمر واستهدافهم للعمق الإسرائيلي بصواريخ ومسيرات. ويشدد على أن الحوثيين سيحاولون الرد عبر تكثيف عملياتهم ضد الملاحة الدولية لإثبات أنهم ما زالوا قادرين على تهديد خصومهم، لكن الضربة بلا شك ستترك أثرا عميقا في هيكلهم السياسي والعسكري.

صراعات إقليمية متشابكة

أما علي عبدة، رئيس مجلس التعاون العربي، فيرى أن ما جرى هو حلقة جديدة في سلسلة صراعات إقليمية متشابكة. ويؤكد أن إسرائيل أرادت إرسال رسالة مزدوجة: الأولى إلى الحوثيين مفادها أن استهداف العمق الإسرائيلي لن يمر من دون ثمن، والثانية إلى إيران باعتبارها الداعم الرئيسي للجماعة، بأن تل أبيب مستعدة لتوسيع رقعة المواجهة إذا لزم الأمر. ويوضح عبدة أن تداعيات مقتل رئيس الوزراء قد تهز التوازن داخل حكومة الحوثيين، ما يفتح الباب أمام صراعات داخلية بين الأجنحة المتنافسة. لكنه يضيف أن الجماعة قد تستغل الحادث لتأجيج خطابها السياسي، معتبرة ما جرى عدوانا مباشر يبرر استمرارها في الحرب، وهو ما قد يعقد أي محاولات لإطلاق مسار سياسي لحل الأزمة اليمنية. ويرى أن المجتمع الدولي أمام اختبار صعب، فاستمرار التصعيد سيضع مصالح اقتصادية وتجارية كبرى في البحر الأحمر تحت تهديد دائم، وهو ما قد يدفع قوى كبرى للتدخل بصورة أكثر وضوحا.

في شوارع صنعاء، دوى صوت الانفجارات بشكل غير مسبوق. السكان أكدوا أن الغارات استهدفت مواقع حساسة بينها دار الرئاسة وجبل النهدين ومعسكرات للصواريخ، إضافة إلى مواقع مدنية في حي حدة الراقي. بينما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن العملية استهدفت اجتماعا موسعا لقيادات الصف الأول في الجماعة، وهو ما يعزز تقديرات أن الغارة لم تكن مجرد ضربة عسكرية بل عملية محسوبة لإحداث فراغ في قمة هرم السلطة الحوثية.

التصريحات الإسرائيلية جاءت شديدة اللهجة، حيث قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إن من يرفع يده على إسرائيل سنقطعها وفي المقابل، حاول الحوثيون إظهار صمودهم إعلانهم استمرار دعم غزة وتطوير قدراتهم العسكرية، إلا أن فقدان قيادة عليا سيظل تحديا كبيرًا قد يضعف تماسكهم الداخلي.

وبين التصعيد الإسرائيلي المتواصل، والتهديدات الحوثية بالانتقام، يظل السؤال مفتوحًا: هل سيكتفي الطرفان بهذه الجولة أم أن المنطقة مقبلة على موجة أوسع من المواجهة؟ الإجابة ستحددها الأيام المقبلة، لكن المؤكد أن اغتيال الرهوي وضع اليمن في قلب معركة إقليمية أكبر تتجاوز حدوده بكثير

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5070

موضوعات ذات صلة

حزب الله يستقبل فوز ترامب بمائة صاروخ على اسرائيل

المحرر

دمشق تجند من كانو خصوما بالامس

المحرر

روسيا تعود من بوابة أفريقيا: أمن ومكانة عالمية

المحرر

نتنياهو يغلق الباب أمام هدنة مؤقتة في غزة

المحرر

إيران تناور والوقت يوشك أن ينفد

المحرر

حزب الله في مواجهة العقوبات الداخلية

المحرر