استجابة لضغوط دولية مكثفة، قلصت إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة بعد مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف القصف فوراً، وذلك عقب إعلان حركة حماس قبولها ببعض بنود الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب المستمرة منذ قرابة عامين. وجاء التطور في لحظة فارقة، حيث تحاول واشنطن فرض رؤيتها باعتبارها الفرصة الأخيرة للوصول إلى تسوية سياسية تعيد ترتيب المشهد في واحدة من أكثر بؤر الصراع اشتعالاً في الشرق الأوسط.
وانطلق ترامب في خطابه الأخير ليؤكد أن حماس أظهرت استعداداً لسلام دائم داعياً إسرائيل إلى التوقف عن القصف لتسهيل المرحلة الأولى من خطته، والمتعلقة بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين. وسرعان ما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن القيادة السياسية أصدرت تعليمات للجيش بتقليص النشاط الهجومي، بينما أمر رئيس الأركان برفع الجاهزية لتنفيذ البنود الأولية من المبادرة الأمريكية.
ومع ذلك، لم تتوقف آثار الحرب على الأرض، إذ أفاد سكان غزة أن القصف تواصل على أحياء في مدينة غزة وخان يونس، ما كشف عن فجوة بين الوعود السياسية والواقع الميداني. وبينما رأت عائلات الرهائن الإسرائيليين أن خطوة ترامب تمثل أفقاً جديداً، ظل المتشددون داخل حكومة نتنياهو يرفضون أي تنازل أو انسحاب قبل ضمان نزع سلاح حماس بالكامل.
الرهائن .. ضغط شعبي
وأوضح اللواء يونس السبكي، الخبير الاستراتيجي، أن المشهد الإسرائيلي محكوم بتوازنات دقيقة؛ فنتنياهو واقع بين ضغط شعبي يطالبه بإعادة الرهائن وإنهاء حرب أرهقت الاقتصاد والمجتمع، وضغط داخلي من شركائه اليمينيين الذين يرون أن أي تراجع أمام حماس يرقى إلى هزيمة استراتيجية وأكد السبكي أن جوهر الخطة الأمريكية يقوم على مقايضة واضحة: رهائن مقابل أسرى، ووقف قصف مقابل انسحاب مرحلي، لكن عقدة نزع السلاح تبقى العقبة الأصعب أمام أي اتفاق.
وحذر السبكي من أن “تجميد العمليات العسكرية دون ضمانات ملموسة قد يمنح حماس فرصة لإعادة ترتيب صفوفها، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن استمرار الحرب دون مسار سياسي يعني مزيداً من العزلة لإسرائيل على الصعيد الدولي بينما أكدت مها الشريف أن الضغوط الأمريكية حين تتكامل مع أدوار عربية فعالة يمكن أن تفتح الباب لتسوية تاريخية، لكن التحدي يكمن في صياغة معادلة متوازنة تضمن الأمن الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية معاً
ورأت مها الشريف، رئيسة تيار المستقبل ضد العنف والإرهاب، أن موقف حماس يعكس براغماتية محسوبة، فهي توافق على بعض البنود الإنسانية والسياسية لإظهار مرونة أمام المجتمع الدولي، لكنها ترفض التنازل عن عناصر قوتها العسكرية والسياسية وأضافت الشريف أن الحركة تحاول إعادة تثبيت موقعها في المعادلة الفلسطينية، خصوصاً مع طرح فكرة إدارة القطاع عبر حكومة تكنوقراط وطنية مدعومة عربياً ودولياً، وهو ما قد يفتح صراعاً جديداً حول الشرعية في حكم غزة
ووفق نص رد حماس على الخطة الأمريكية، فقد أبدت استعدادها لتسليم إدارة غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين، لكنها شددت على ضرورة إشراكها في أي نقاش وطني يخص مستقبل القطاع، رافضة فكرة إقصائها الكامل من السلطة السياسية. هذه النقطة تحديداً أثارت تحفظات إسرائيلية اعتبرت أن أي دور مستقبلي لحماس سيبقي خطرها قائماً، حتى وإن تم تحجيمها عسكرياً.
وفي سياق الوساطات الإقليمية، أعلنت قطر أنها بدأت بالتنسيق مع الوسيط المصري والولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة المحادثات، وهو ما يبرز أن واشنطن تدرك أن أي اتفاق لن ينجح دون مشاركة عربية فاعلة تضمن تنفيذه على الأرض.
