
لم تعد مشكلة الأسواق العشوائية في الإسكندرية مجرد ظاهرة هامشية أو مقتصرة على الأحياء الشعبية القديمة، بل تحولت إلى مشهد يومي يؤرق مضاجع السكندريين كافة، وباتت تهدد النسيج العمراني والبيئي للمدينة بأكملها. التقرير التالي يرصد تفاصيل الأزمة، بناءً على شكاوى موثقة ورصد ميداني، ويطرح علامات استفهام حول دور الأجهزة المحلية في التعامل مع هذا الملف الشائك.
تراخي المسؤولين
لا يزال حال الأسواق العشوائية بالإسكندرية يؤدي إلى تلوث مادي وسمعي وبصري للمواطن السكندري. وفيما يبدو، أن المسؤولين عن المحليات في الأحياء قد ارتضوا بذلك، رافعين شعار “ليس باليد حيلة”. فالحملات تُشنّ، والمخالفات تُضبط، والإجراءات تُتخذ من قبل القائمين على الأمر، إلا أن المواطن يُفاجأ بعودة الإشغالات والمخالفات مجددًا. التطور الجديد في الأمر أن هذا المشهد الفوضوي قد حلَّ ببعض المناطق الراقية بمختلف أحياء المدينة الساحلية.
رصد ميداني
رصدت عدساتنا؛ مخالفات جمة، تخص إشغالات الطريق ورخص المحال بنطاق أحياء المنتزه أول وثان، خاصة بشارعي خالد بن الوليد وجمال عبد الناصر بمنطقة ميامي، وشوارع: أطلس وأحمد العباني وصديقات الكتاب المقدس بالعصافرة البحرية، حيث قد بات الأمر أشبه بالسويقة أسفل أغلب العقارات، إذ تنتشر المقاهي المخالفة وورش الحدادة والألوميتال غير المرخصة، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الباعة الجائلين الذين افترشوا الساحات أمام مداخل العمارات السكنية، في مشهد عبثي أزعج السكان بشكل بالغ.
خسائر اقتصادية وتشويه للسياحة
الأضرار الناجمة عن هذه الفوضى لا تقتصر على إزعاج السكان وحسب، بل تمتد لتضرب الاقتصاد المحلي في مقتل؛ فانتشار الأسواق العشوائية يضر بسمعة الإسكندرية كمدينة سياحية رئيسية على البحر المتوسط. فالسياح والمصطافون يواجهون صعوبة في التنقل ويعزفون عن زيارة المناطق التي تعاني من هذه الظاهرة، مما يؤثر سلباً على حركة التجارة المشروعة والمحال الملتزمة التي تدفع الضرائب والإيجارات. كما أن هذه الفوضى تؤدي إلى انخفاض القيمة السوقية للعقارات في تلك المناطق، مما يكبّد أصحابها خسائر فادحة.
مطالب بحلول مستدامة
يرى محللون أن السبب الرئيسي لاستمرار هذه المشكلة هو غياب الحلول البديلة والناجعة. فالباعة الجائلون، ورغم مخالفتهم للقانون، غالبًا ما يكونوا مدفوعين بظروف اقتصادية قاهرة بحثًا عن مصدر رزق وحيد، حيث إن شن الحملات الأمنية دون توفير أسواق حضارية مجهزة أو أماكن مخصصة ومنظمة لهؤلاء الباعة، يجعل من عودتهم إلى الشارع أمرًا حتميًا فور مغادرة القوات؛ فالحلول المؤقتة لا تعالج جذور الأزمة، وتظل المشكلة قائمة طالما لم يتم توفير بديل مستدام يحقق التوازن بين حق البائع في العمل وحق المواطن في بيئة نظيفة ومنظمة.
ويطالب الأهالي بضرورة تغيير منهجية التعامل مع الأزمة؛ فالحل لا يكمن في الحملات الموسمية، بل في التنسيق المستمر بين الأحياء وشرطة المرافق ووزارة البيئة والغرف التجارية، مع اقتراح بإنشاء قاعدة بيانات للباعة الجائلين، وتخصيص أسواق نموذجية لهم في مناطق حيوية، وتفعيل دور لجان المتابعة الشعبية والرسمية على مدار الساعة. كما يجب تغليظ العقوبات على أصحاب المحال الثابتة الذين يستغلون الأرصفة أو يؤجرونها للباعة، لضمان ردعهم ومنع تكرار المخالفات.
لقد رصدنا هذا الوضع، ونحن في انتظار إيجاد حلول حقيقية وناجحة على أرض الواقع، إذ إن الحلول الأمنية المؤقتة لم تعد تجدي نفعًا، والمطلوب هو خطة شاملة تشمل توفير بدائل للباعة، وتطبيق صارم للقانون على المخالفين وأصحاب المحال غير المرخصة.
وسنوافيكم تباعًا بنشر المزيد من المخالفات الموثقة بالصوت والصورة، على أمل أن تصل صرخات السكان إلى الجهات المعنية لإعادة النظام والانضباط إلى شوارع الإسكندرية.
