فنون

فيلم Following: سقوط الأقنعة المزيفة لعالم السوشيال ميديا

في عصر السوشيال ميديا، حيث يمكن للجاني أن يصبح بطلًا، يأتي الفيلم الكوري الجنوبي “Following” ليكشف النقاب عن قوة الرأي العام وقدرته على تشكيل المجتمع وتوجيه الأحداث. يستعرض الفيلم كيف يمكن لبعض الأفراد استغلال منصات التواصل الاجتماعي لترويج صور زائفة عن حياتهم، مما يمكنهم من الظهور كأبطال رغم أفعالهم المشينة. من خلال تحليل نفسي لشخصيات الفيلم، يتناول النص مواضيع مثل الهوس، والهوية، والجوانب المظلمة لوسائل التواصل الاجتماعي، مقدما نظرة نقدية على تأثير هذه الوسائل على حياتنا اليومية.

يقوم الفيلم الكوري الجنوبي Following على إظهار قوة الرأيالعام، وقدرته على التأثير في المجتمع، ومجريات الأحداث، بما يمكن بعض الجناة من الظهور كأبطال عبر استغلال منصات التواصل الاجتماعي، وترويج الصور الزائفة عن حياتهم.

يعمل البطل وسيطا للعقارات، ويحظى بسمعة طيبة وسط العملاء، ولكنه في الحقيقة يقتحم المنازل، ويسرق بعض المقتنيات الخاصة بالسكان، مثل أداة حلاقة أحدهم، أو صورة شخصية، أو رسالة غرامية، فشخصيته الحقيقية شخصية مترصد، تبحث عما يخفيه الناس، مهووس باكتشاف خفاياهم وأسرارهم، حيث عبَّر عن أسباب فعلته بأنه يحاول خلع أقنعة الجميع، واكتشاف حقيقتهم المخفية، الأمر الذي يعطيه احساسا بالتفوق عليهم، مبررا لنفسه أنه لا شر في أفعاله ما لم يضر أحدا.

أما البطلة “هان سورا”، فهي إحدى مشاهير السوشيال ميديا، “انفلونسر”، تنقذ الحيوانات الضالة، وتجمع تبرعات من أجل المشاريع الخيرية، وتتطوع في دور الأيتام والعجائز، بالإضافة إلى تبرعها بالدم كل حين، ترتدي الماركات العالمية فقط، وتتعامل بلطف مع الجميع، ويراها متابعوها شخصية مثالية، تعبر عن اللطف والخير، وتتسم بالأناقة والثراء.

 ولكنها في الحقيقة شخصية مصطنعة، فهي تجمع التبرعات لإنقاذ حياة القطط والكلاب، وتقتلها للتخلص منها، وتزور شهادات التبرع للمنظمات الخيرية، وتدفع المال لإحدى المؤثرات على السوشيال ميديا حتى تهاجمها، من أجل استمالة الجمهور، وتعاطفه معها، كما عملت مضيفة في ملهى ليلي، وباعت أخيها المعاق ذهنيا مقابل المال فطردتها عائلتها ووصفتها بالجنون، فكان اهتمامها الوحيد جمع المال بكثرة، بغض النظر عن الكيفية.

تبدأ عقدة الفيلم بمحاولات البطل اقتحام منزل البطلة، والتلصص على أسرارها، وبعد فشله عدة مرات، تذهب البطلة إلى مكتبه وتعطيه مفتاح شقتها، متعللة برغبتها في بيعها، وتزيف مقتلها لتلفق التهمة للبطل، خشية أن يفضحها، لأنه اكتشف شخصيتها وتصرفاتها الحقيقية بعيدا عن زهو مواقع التواصل الاجتماعي، ويتكشف للمشاهد فيما بعد قيامها بقتل كل من اكتشف أفعالها الحقيقة، ودفنهم في بقعة معينة من الغابة.

بوستر الفيلم

حمل الفيلم عدة رموز خفية داخل أحداثه، كان أبرزها اقتناء البطل خلية نمل داخل لوحة زجاجية شفافة كبيرة، تعطي احساسا للمشاهد بقدرته على تتبع حياة النمل واكتشاف مخابئ الحبوب، والتعرجات الهندسية التي بنى بها خليته، وأماكن اختباءه، ما يحاكي فعل البطل وتربصه بضحاياه وتجسسه على حياتهم وبيوتهم.

فيما يرمز النمل إلى البطل نفسه، حيث يتشابه معه في اقتحام البيوت، والتسلل داخل جدرانها، وأخذ ممتلكات السكان، وإلى شعور البطل بالضآلة وصغر حجمه داخل مجتمعه، ما سبب له عقدة نفسية، ودفعه إلى محاولة إثبات أهميته للمجتمع.

بالإضافة إلى محاولة البطلة فقع عيني البطل، فالعين ترمز للتجسس، ويطلق على الجاسوس لقب العين. فصناع الفيلم اختاروا الحفاظ على عيني البطل، وإضعاف بصره، بعد خروجه من السجن، من أجل الإشارة إلى توقفه عن التجسس على المواطنين، وسلوكه طريق الصلاح.

أما هان سورا، الشخصية الرئيسية، فقد حاولت الانتحار في بداية الفيلم، بسبب شعورها الدائم بالشفقة على نفسها، وأنها ضحية الجميع، وحركتها عقدة الاضطهاد، فاتهمت عائلتها بالتعنت ضدها، وعللت بيعها أخيها المعاق ذهنيا، بحاجتها إلى المال، لكن عائلتها طردتها، إلى أن لفت نظرها تأثير السوشيال ميديا على حياتها، وأخذت تزور شخصيتها وأفعالها، وتقتل كل من يكتشف حقيقتها أو يهددها بنشر أخبار عن أفعالها الحقيقية.

وتشابهت القطة الضالة في الفيلم مع بداية حياة البطلة، حينما عملت مضيفة في ملهى ليلي، فكانت القطة ملقاة في الشارع، تنتظر من ينقذها، ولكن البطلة كسرت ساقيها، واستغلتها في جمع التبرعات، ثم قتلتها، واشفقت على نفسها لاضطرارها بالمرور بكل هذه المشاق من أجل جمع المال، وهو ما يتماشى مع مواصفات الشخصية السايكوباتية.

كما أن رسالة الفيلم تدور بشكل خاص حول الفضول، بين فضول البطل الذي دفعه لاقتحام خصوصية الآخرين، وأدى به إلى السجن، وبين فضول رواد السوشيال ميديا حول حياة المؤثرين، والتربص بهم، ومنهم الشخصية الثانوية التي قتلت على يد البطلة في نهاية الأحداث.

الفريسة والصياد

اعتمد الفيلم على تيمة الفريسة والصياد، فبدأ بالبطل يحاول اقتناص حياة الآخرين، والفوز عليهم، وتتبع البطلة، والتربص بها، واعتقاده بالفوز عليها، إلى أن ينقلب السحر على الساحر، ويكتشف البطل أنه لم يكن الصياد، ولكنه كان الفريسة، بعد أن نالت منه البطلة، وجعلته مختطفا وقاتلا. ثم يستدرجها البطل إلى الاعتراف بجرائمها، والقبض عليها.

بوستر الفيلم

كما لعبت الموسيقى التصويرية دورًا حيويًا في تعزيز الأجواء الدرامية والنفسية للفيلم، وتعزيز الأجواء النفسية وإبراز التوتر والقلق الذي يشعر به البطل، فالألحان المتوترة والإيقاعات السريعة تعكس حالة الهوس والاضطراب النفسي التي يعيشها. فضلا عن إبراز التحولات الدرامية، واستخدام الموسيقى المتناقضة، مما يعزز من تأثير الرسائل التي يريد الفيلم إيصالها.

استخدم الفيلم، أسلوبًا مميزًا في سرد القصة من خلال هيكل زمني غير تقليدي. هذا الأسلوب يعزز من التشويق والغموض، حيث يتم تقديم الأحداث من زوايا زمنية مختلفة، مما يجعل المشاهدين في حالة ترقب دائم لفهم الصورة الكاملة.

إلى جانب تقنيات تحرير سريعة وتغيير المشاهد بشكل متكرر لإبقاء الإيقاع متوترًا ومثيرًا. هذا الأسلوب ساعد في إبراز التوتر النفسي للشخصيات. واستخدام لقطات قريبة ومتوسطة ساعد في التركيز على تعابير الوجه والتفاصيل الدقيقة، مما عزز من فهم المشاهدين للحالة النفسية للشخصيات. ونقل مشاعرهم للمشاهد.

وتميز الأسلوب البصري في التصوير في “Following” باستخدام الأبيض والأسود، والألوان الباهتة، مما أضفي طابعًا غامضًا كئيبا على الفيلم. عزز من الأجواء النفسية وعكس الطبيعة المظلمة للقصة والشخصيات. إلى جانب التلاعب بالإضاءة في الفيلم وإبراز التباين بين الضوء والظل، مما يعكس الصراع الداخلي للشخصيات.

أخطاء الفيلم

أهمل الفيلم إظهار أسباب العقد النفسية التي أصابت الأبطال، فليس من المعقول أن تتحول البطلة إلى شخصية سيكوباتية، معادية للمجتمع، وتتكون بداخلها عقدة الاضطهاد متأثرة بفقر أسرتها، واستغلال بعض الشخصيات الشريرة لها.

 وحاجة البطل الشديدة إلى إثبات أهميته للمجتمع وشعوره بالفوز والتميز على الجميع، مندفعا بعقدة النقص داخله، وهوسه باكتشاف أسرار الآخرين، لم تفسرها الحبكة الدرامية، ولم تكشف عما تعرض له البطل لكي يصاب بهذه العقدة، بعد خروجه من السجن، إلى جانب بعض المبالغة في قتل البطلة عشرات الأرواح، واقتحام البطل عشرات المنازل دون أن يثير أحدهما شك المجتمع أو الشرطة.

فيلم “Following” الكوري الجنوبي صدر عام 2024 هو فيلم إثارة وغموض من إخراج كيم سي-هوي وبطولة بيون يو-هان وشين هاي-سون. حقق إيرادات بلغت حوالي 8.8 مليون دولار أمريكي منذ إصداره في 15 مايو 2024. وحصل الفيلم على تقييم 6.4/10.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=81

موضوعات ذات صلة

رحيل سيدة المسرح العربي سميحة أيوب

المحرر

إيقاف حمو بيكا بتهمة حيازة سلاح

المحرر

رامز جلال: مفاجآت مثيرة في رمضان 2025

المحرر

عائلة العندليب تحتج على غناء الفنان الراحل بموازين

المحرر

جمال سليمان : الفن جزء من شخصيتي وأسلوب حياتي

المحرر

لعبة النهاية تحتفل بستين عاما في قرطاج المسرحي

المحرر