تتسارع الخطى داخل أروقة الكونغرس الأمريكي نحو اتخاذ قرار طال انتظاره بشأن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، في تطور يعيد تسليط الضوء على مستقبل هذه الجماعة داخل الولايات المتحدة وخارجها، وسط دعم متزايد من أوساط سياسية وأمنية ترى في الإخوان تهديدا للأمن القومي الأميركي، وأداة لزعزعة استقرار الحلفاء في الشرق الأوسط.
التحركات الحالية، التي تتزامن مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، تعكس تحولا نوعيا في النهج الأمريكي تجاه الجماعة، لا سيما أن أغلب الدول العربية، وفي مقدمتها مصر والسعودية والإمارات، سبق أن أدرجت في قوائم الإرهاب. ويرى مراقبون أن ما كان مستبعدا بالأمس بات مطروحا بقوة اليوم، خاصة في ظل تزايد الضغوط من مراكز بحثية أمريكية مرموقة، على غرار معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسات، الذي قدّم للكونغرس إحاطة مغلقة ركزت على آليات التصنيف ومخاطر التغاضي عن نفوذ الإخوان المتصاعد.
العقيد هاني الحلبي، الخبير الأمني والاستراتيجي، يؤكد أن تصنيف جماعة الإخوان إرهابية من قبل واشنطن لن يكون مجرد خطوة رمزية، بل سيمثل نقطة تحول استراتيجية في مكافحة الإرهاب الفكري والتنظيمي العابر للحدود. ويشير الحلبي إلى أن الجماعة استطاعت، عبر عقود، التغلغل داخل مؤسسات المجتمع المدني الأميركي، مستخدمة واجهات دينية وإنسانية، وهو ما يفتح الباب أمام مخاطر حقيقية تتعلق بتمويل الإرهاب والتأثير في القرار السياسي الداخلي الأمريكي.
في السياق ذاته، تؤكد المحللة السياسية مها الشريف، نائب رئيس حزب الغد، أن الدعم القطري اللامحدود للجماعة، سواء من خلال التمويل المباشر أو استضافة قياداتها، يمثل عاملا رئيسيا في استمرار نشاط الإخوان، لا سيما أن الدوحة عملت على مدار سنوات على توفير بيئة حاضنة لهم إعلاميا سياسيا واقتصاديا. وتضيف الشريف أن الموقف الأمريكي الجديد يعكس إدراكا متزايدا بأن غض الطرف عن هذا الدعم لا يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، بل يفاقم التهديدات ضد حلفائها وشركائها.
المثير في تطورات الملف أن النقاشات داخل الكونغرس لم تعد تقتصر على الجوانب النظرية، بل باتت تتناول التفاصيل العملية المتعلقة بكيفية التنفيذ، سواء من خلال تصنيف شامل للجماعة الأم، أو عبر إدراج الفروع الإقليمية الأشد تطرفا، وفي مقدمتها حركة حماس، التي صنّفتها واشنطن مسبقا كتنظيم إرهابي، وتعتبرها إحدى الأذرع المباشرة للإخوان في الأراضي الفلسطينية.
وفي ضوء التطورات المتسارعة، يتوقع أن يلعب السيناتور تيد كروز دورا محوريا في الدفع باتجاه تمرير التشريع الجديد، مستندا إلى خبرته الطويلة في هذا الملف، ورؤيته الحاسمة التي تعتبر الإخوان المصدر الأيديولوجي الأول لغالبية التنظيمات المتطرفة في العالمين العربي والإسلامي. ويرى كروز أن المذبحة التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر بحق مدنيين إسرائيليين، والتي راح ضحيتها عشرات الأميركيين أيضًا، يجب أن تكون نقطة اللاعودة في تعامل الولايات المتحدة مع الجماعة الأم.
وفي المقابل، لا تزال بعض الأصوات في واشنطن تحذر من ردود الفعل المحتملة، سواء من قبل أنصار الجماعة داخل المجتمع الأميركي أو من قوى إقليمية ترى في التصنيف تهديدا مباشرا لنفوذها. ويبرز هنا الدور الذي تلعبه الدبلوماسية القطرية في الدفاع عن صورة الجماعة ومحاولة تقديمها كقوة سياسية معتدلة، رغم الأدلة التي تشير إلى تورطها في دعم خطاب الكراهية، كما يؤكد تشارلز آشر سمول، المدير التنفيذي لمعهد دراسة معاداة السامية، الذي شدد على أن خطاب الإخوان المناهض لإسرائيل ساهم في تصاعد معاداة السامية خلال السنوات الأخيرة.
وبينما تستعد اللجان التشريعية المختصة لمناقشة المقترحات الرسمية بشأن التصنيف، يبقى السؤال الأكبر حول مدى قدرة الكونغرس على تجاوز الانقسامات الداخلية وتمرير القرار في ظل التجاذبات الحزبية. إلا أن مؤشرات المرحلة المقبلة تدفع باتجاه أن التصنيف، حال حدوثه، لن يكون نهاية المعركة، بل بدايتها، حيث تتوالى الإجراءات العقابية، من تجميد الأصول إلى حظر الأنشطة السياسية، وصولاً إلى تفكيك الشبكات المرتبطة بالجماعة داخل الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يشير المحلل السياسي الأمريكي جوناثان شانزر إلى أن الخطوة المنتظرة ستواجه مقاومة شرسة من اللوبي الإسلامي الممول قطريا، والذي سيحاول استخدام أدوات الضغط الناعمة لتأخير التصنيف أو تحجيمه. ومع ذلك، فإن الاتجاه العام داخل المؤسسة التشريعية الأميركية بات يذهب نحو الحسم، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن التغاضي عن خطر جماعة الإخوان لم يعد خيارًا ممكنا في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.
وهكذا، فإن مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة يمر اليوم منعطف حاسم، قد يعيد رسم ملامح وجودها داخل الساحة الأمريكية، ويغلق صفحة طالما استخدمت فيها الشعارات الدينية كغطاء اجندات مشبوهة وممارسات تزعزع استقرار الدول والشعوب
