على ضفاف نهر النيل جنوب مصر في محافظة أسوان، يوجد معبد كوم أمبو، والذي يعد أثراً فريداً من نوعه كونه مخصصا لعبادة إلهان عند المصري القديم وهو” الإله سوبيك و المعبود حورس”، وهذه الصفة جعلت منه مقصداً سياحياً، يتهافت علي زيارته العديد من السائحين من كافة دول العالم، ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت بعض المؤشرات التي تشير لوجود تهديد لحياة هذا المعبد نتيجة انبعاثات مصنع السكر القريب منه، والذي يعتبر هو الآخر أثر لكونه قد بني في أوائل القرن الماضي.
البداية كانت من خلال المرشد السياحي نصر الدين النوبي وهو دائم التواجد في مدينة الأقصر بطبيعة عمله والذي تحدث الي لـ”صوت البلد” قائلاً، كنت في إحدى الجولات السياحية داخل المعبد و تحدث مع أحد السائحين الألمان حول الدخان الكثيف حول المعبد متسائلاً عن سببه؟ وعندما أجابته أنه بسبب الانبعاثات الناتجة من مصنع السكر القريب من المعبد، صاح السائح الألماني بغضب شديد مستنكر وجود المصنع بالقرب من هذا الأثر الهام، ومن هنا كان لا بد من طرح هذه المشكلة لرأي العام للبحث عن حل للحفاظ على المعبد.
وأشار: إن دخان المصنع يزداد خلال موسم الشتاء عند حصاد قصب السكر، وهذا التوقيت هو الموسم السياحي في الأقصر وأسوان نظرًا لطبيعة الطقس، وهذه الانبعاثات لها تأثير كبير على البيئة المحيطة وعلى صناعة السياحة. كما أن الكثير من السائحين يرصدون هذه الظاهرة بالكاميرات وينشرون صور عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يضر بسمعة صناعة السياحة المصرية، لافتاً الي وجود العديد من الظواهر السلبية التي تدفع بمصر أن تكون خارج منظومة السياحة العالمية، والتي يعلق عليها السائحون وتؤثر سلباً على الصناعة ككل.
وناشد المرشد السياحي وزارة السياحة والآثار بضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة بإزالة هذه الغازات و الانبعاثات الضارة و تحويل مسارها لتجنب أي آثار سلبية حالية و مستقبلية نظراً لكثرة عدد السياح في المنطقة.
السياحة تنفي
من جانبها قالت زينب حسن، مديرة معبد كوم أمبو، إن انبعاثات مصنع السكر ليس لها أي تأثير على المعبد حيث انه يبعد عن المعبد حوالي 3 كم ، مؤكدة أن الغازات لا يشعر بها السائحون عند زيارة المعبد، لافته إلا أن هذه الانبعاثات لها تأثيرا كبيرًا على السكان المحليين المقيمين بالقرب من المصنع ، و قد نتج عنها وجود العديد من الوفيات والأمراض المزمنة بينهم.
وأشارت إلى أن المعبد كان يعاني منذ فترة طويلة من المياه الجوفية، ولكن هذه المشكلة تم حلها منذ فترة، من خلال مشروع ضخم بتمويل من اليونسكو والولايات المتحدة الأمريكية، مشددة علي أن أي مشاكل تحدث داخل المعبد يتم إبلاغ الوزارة بها بشكل مباشر، وذلك من أجل الحفاظ على الآثار للأجيال القادمة.
الخبراء: ماء النار
وبسؤال الدكتور عز العربي الخبير الأثري، عن مدي تأثير العمليات الكيميائية التي حدثت عبر فترة من الزمن منذ إنشاء المصنع؟ أكد أنها أثرت بشكل كبير على المعبد ، وأنه علي علم بهذه المشكلة بشكل كبير و ذلك لأنها كانت موضوع رسالة الدكتورة الخاصة به منذ 2009 ، مشيراً في شرحة لطبيعة المشكلة إلى أن الأبخرة أو الغازات تتفاعل في طبقات الجو، و مع وجود الرطوبة الناتجة من نهر النيل و التي تساعد في تحويل تلك الأبخرة التي تتجمع في طبقات الجو العليا إلي أحماض شديدة الخطورة ، مثل حمض ثاني أكسيد الكبريت ، و عند ارتفاع درجات الحرارة يتحول لحمض الكبريتيك و هو المعروف باسم “مياه النار “، لافتاً إلى ترسب هذا الحمض علي جدران المعبد ، والذي ظهر تأثيره في البداية علي تأكل الألوان و النقاشات الداخلية، مؤكداً أن الخطر الأكبر هو استمرار ذلك، الأمر الذي قد يؤدي إلي تدمير المعبد ، خاصة أنه تم بناءه من الحجر الجيري و الذي يسهل التأثير به وهنا تمكن الكارثة.
وأشار الخبير الأثري إلى أن أجزاء من المعبد قد تآكلت بالكامل بالفعل، وتظهر بعض الصور الفوتوغرافية و الوارد بعضها في التحقيق ذلك، لافتاً إلى وجود شكاوى عديدة من السائحين الذين يتجولون في أروقة المعبد وتظهر عليهم علامات التعب من هذه الغازات، لافتاً إلى أنه لا بد من احترام الآثار المصرية والسائحين وتمهيد الطرق المؤدية إليها، و مشدداً على ضرورة حل هذه المشاكل ولو باستخدام فلاتر لحجب الأبخرة.
راي فني
و في سياق متصل قال يوسف بدر فني سابق في مصنع السكر و من المصابين بمرض مزمن بسبب عمله بداخله ، أن السبب الرئيسي لهذا الانبعاثات هي تكنولوجيا التعامل مع مخالفات صناعة السكر و التي تقدر بحوالي 300 طن سنوياً ، و تسمي “مصاص القصب”.
و أضاف أن المصنع يقوم بحرقها احتراق غير كامل بغرض توفير طاقه البخار لتوفر الكهرباء و مادة المازوت للمصنع الأمر الذي يوفر آلاف الجنيهات سنوياً، موضحاً أن في السنوات الأخيرة تم الاستعانة بخبراء من الهند لكي يتمكنوا من إدخال تكنولوجيا جديدة و هي الإحراق الكامل لهذه المخلفات ولكنهم فشلوا في ذلك.
الحفاظ علي الصناعة
وعلى صعيد آخر، قال مصدر مسئول من داخل مصنع السكر ، رفض ذكر اسمه، إن المصنع ملك للحكومة، وتم إنشاؤه عام 1912، وهو ما يجعله أثر لأنه أكبر وأول مصنع في الشرق الأوسط وأفريقيا، مؤكداً أن السكر منتج محلي ولا يمكن التخلي عنه.
ونفى المصدر، أن تكون الانبعاثات ضارة بالآثار لأنها على بعد عدة كيلو مترات، لافتاً إلى أنه إذا حدث ذلك يكون نادراً “على حد تعبيره”، موضحاً أن كل مصانع العالم بها انبعاثات، ولكن المتربصين بالصناعة المصرية يشككون في ذلك ولابد لنا جميعا ان ندعم الصناعة المحلية.
حل المشكلة
كان قد أوضح فني المصنع أن الحل يكمن في التخلص من المخلفات الصناعية أو “مصاص القصب” عن طريقة بيعها لمصانع اخر ، لأنها تعبر مواد خام تدخل في صناعات عديدة آخر وهذه الصناعات في أمس الحاجة إلي مثل هذه المادة الخام منها مصانع الورق و الخشب الحبيبي ، أو أن يقوم المصنع بإنشاء مصنع لأي من هذه الصناعات في منطقة صناعية و يستفيد هو من هذه المادة الخام بشكل سليم ، و في نفس الوقت انتهاء هذه الانبعاثات و الاحتفاظ بالمصنع في مكانه الحالي، مؤكداً أنه قدم هذا التصور علي مدير المصنع في وقت سابق ووعد بدراسة المقترح و تنفيذه ولكن لم ينفذ إلي الان.
الأمر الذي أكدته مديرة المعبد في حديثها، أن المصنع يعمل بالطريقة التقليدية في حرق أعواد قصب السكر، والتي ينتج عنها انبعاثات ضارة، وأنها على المستوى الشخصي ناشدت مدير المصنع بحل المشكلة ووعدها بحل عن طريق استخدام الغاز الطبيعي بدلاً من الطريقة التقليدية الحالية، لكن هذا الوعد لم ينفذ حتى الآن.
بينما أكد مصدر مسئول من داخل المصنع في مقابلة أجرتها المحررة معه، أن إدارة المصنع سوف تتبرع ب 7 أفدنة لمركز كوم أمبو، لإقامة مشروع للغاز الطبيعي و ستدفع لشركة الغاز ما يقرب من 70 مليونا لتوصيل إلي المنطقة بأكملها وذلك في محاولة لإنهاء هذه الأزمة، موضحاً أن الجدول الزمني لهذا المشروع هو 2025، و لكن شركة الغاز الطبيعي تواجه بعض العراقيل في التنفيذ المشروع “علي حد وصفه”.
