شؤون سياسية

لا تهجير ولا عطش.. مصر تتصدى بقوة

خرجت الدبلوماسية المصرية برسائل واضحة لا تقبل التأويل، تؤكد أن حماية الأمن المائي والحدود الوطنية قضية وجودية لا تحتمل أي تهاون. وزير الخارجية بدر عبد العاطي شدد على أن بلاده لن تسمح على الإطلاق بالمساس بمصالحها المائية أو حدودها أو أمنها القومي، محذرا من أن مؤامرات تُحاك ضد مصر، لكن الدولة قادرة بمؤسساتها القوية على صد أي تهديد يواجهها.

الملف الأبرز الذي يشغل الدولة المصرية في هذه المرحلة هو سد النهضة الإثيوبي. فمع بدء تشغيله بشكل أحادي، تحركت الخارجية المصرية بخطاب رسمي لمجلس الأمن، مؤكدة أن هذا التصرف مخالف للقانون الدولي، ومعلنة احتفاظها بحقها في اتخاذ جميع التدابير المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن مصالحها. ويقول الدكتور أحمد ناصر، خبير هندسة الري والموارد المائية، إن تشغيل السد دون اتفاق قانوني ملزم يعني أن إثيوبيا تفرض أمرًا واقعا، وهو ما قد يسبب عجزا مائي خطيرا لمصر التي تعتمد بنسبة تزيد على خمسة وتسعين بالمئة على نهر النيل. ويضيف أن استمرار أديس أبابا في موقفها الأحادي يهدد الأمن الغذائي لملايين المصريين، ويضع الزراعة والصناعة في مهب الريح.

ويتفق معه في الرأي الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الذي أكد أن السد الإثيوبي لا يمثل مشروعا تنمويا بقدر ما يمثل ورقة ضغط سياسية. وأوضح أن إثيوبيا لم تراع القواعد الدولية في إدارة الأنهار المشتركة، مشددا على أن استمرار ملء وتشغيل السد بصورة منفردة يعكس نية مبيته لفرض السيطرة على مجرى النيل الأزرق. وأكد شراقي أن مصر لديها خبرة فنية وقانونية كافية للتعامل مع هذا الملف، وأن أي تراجع في حصتها من المياه سينعكس بشكل مباشر على استقرار المجتمع المصري واقتصاده.

مسألة أمن قومي

من الناحية الأمنية، يرى اللواء شبل عبد الجواد، رئيس الشرطة العسكرية سابقا ورئيس هيئة مكافحة الإرهاب بالمنطقة العربية، أن قضية السد لم تعد مجرد ملف تنموي أو مائي، بل تحولت إلى مسألة أمن قومي، موضحا أن حرمان مصر من حصتها التاريخية من النيل يعني ضرب استقرار الدولة من الداخل. ويؤكد عبد الجواد أن مصر تملك كل مقومات الردع، سياسيا وعسكريا، لكنها حتى الآن تتعامل بالطرق الدبلوماسية حفاظا على الاستقرار الإقليمي، مشددا على أن أي تهديد للمياه أو الحدود سيتم التعامل معه كعدوان مباشر على الأمن القومي.

ولم يتوقف التحدي عند حدود إثيوبيا، بل امتد إلى تصريحات إسرائيلية مثيرة للجدل، حين لوّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإمكانية فتح معبر رفح لخروج الفلسطينيين. الخارجية المصرية سارعت بالرد، مؤكدة أن مصر لن تكون أبدًا شريكا في تصفية القضية الفلسطينية أو بوابة للتهجير، واصفة الفكرة بأنها خط أحمر. وقد حظي هذا الموقف بدعم شعبي ورسمي، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن تهجير الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن تشارك فيه مصر، محذرا من أن أي محاولة لفرض هذا السيناريو ستقابل برفض قاطع من الدولة والشعب معًا.

بينما يرى اللواء شبل عبد الجواد أن محاولات الضغط عبر ملف غزة تستهدف إرباك مصر وإشغالها بأزمات حدودية، موضحا أن الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ليس فقط انتهاكا لحقوق الفلسطينيين، بل تهديد مباشر للأمن القومي المصري. ويؤكد أن سيناء لا تتحمل أي عبء إضافي، فهي ساحة تحديات أمنية وتنموية في الأساس، وأي تغيير ديمغرافي قسري سيخلق أزمة استراتيجية طويلة الأمد.

ورغم تصاعد التوترات، اختارت القاهرة طريق الدبلوماسية مع الحفاظ على جميع خياراتها مفتوحة. فالتحركات المصرية في مجلس الأمن، والتنسيق مع الدول العربية، إضافة إلى التواصل مع القوى الدولية الكبرى، تعكس إصرار الدولة على أن تبقى الأزمة في إطار القانون الدولي لا منطق الفوضى

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=244

موضوعات ذات صلة

جنون الحرب .. الانتحار والقتل نهايات متباينة

المحرر

صرخات الجوعى تصطدم بجدران الصمت

المحرر

انتخابات عراقية تحت الهيمنة الإيرانية

المحرر

أوروبا.. الغائب الأكبر في معادلة الحرب الأوكرانية

المحرر

برلمانيون: حكم الدستورية بشأن الإيجار القديم رفع الحرج عن الجميع

المحرر

غارة نوعية تعصف بالحوثيين وتربك المشهد اليمني

المحرر