ثقافة وأدب

مثقفون يقدمون روشتة للارتقاء بالذوق العام

تفشت أزمة انحدار الذوق العام في المجتمع خلال الفترة الراهنة بشكل كبير، الأمر الذي نراه يتجلى في فجوة كبيرة بين أنشطة ثقافية راقية وخدمات نخبوية تقدمها وزارة الثقافة، وإن كانت في مجملها تقليدية ومنغلقة في أماكن محددة، وبين ما يُقدمه الإعلام من محتوى هابط، على جميع منصاته الأوسع انتشارًا سواء في التليفزيون أو السينما أو السوشيال ميديًا ذات الدور الأكبر في استمرار الانحدار واتساع أشكاله.
وقال خبراء ومثقفون أن انعدام التعليم الجيد، وغياب الأدب في المدارس مع انحدار مستوى اللغة العربية لدى الخريجين، وكذلك تطور الذكاء الاصطناعي، هي أمور أدت إلى الانجذاب للمعروض الهابط، مشددين على ضرورة انفتاح وزارة الثقافة على المدارس والجامعات لتوصيل الأنشطة الثقافية الراقية للشباب في أماكنهم، فضلًا عن ضرورة تقديم تعليم جيد، مع حضور المؤسس للفنون في المدارس، مع عدم إغفال دور رجال الدين في نشر الوعي، وكذلك عقد تعاون بَناء بين وزارتي الثقافة والإعلام للارتقاء بالذوق العام.

الدكتور محمد عبد الباسط
أنواع الفنون
بداية.. قال الدكتور محمد عبد الباسط، الناقد الأدبي، وأستاذ البلاغة  بجامعة أسوان، إن الفنون تنقسم إلى نوعين، فنون نخبوية، وفنون ذات طابع جماهيري. وأوضح أن الفنون النخبوية تستهدف مجموعة محددة أو فئات معينة مهتمة بها، مثل الفن التشكيلي والباليه، لافتًا إلى أن الرواية قد تكون ذات طابع نخبوي عندما تكون للقراءة فقط، وإن كان انتشارها أوسع من الباليه والفن التشكيلي، وقد تُصبح جماهيرية عندما تتحول إلى عمل درامي أو سينمائي. إذا السينما والدراما بكل أشكالها هي فنون ذات طابع جماهيري، وقادرة على تحريك وعي شرائح أوسع من الجماهير، وفقًا لعبد الباسط.
ولفت أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب إلى أن أنشطة وزارة الثقافة لها طابع إنعزالي، مُرجعًا ذلك إلى كونها تقليدية إلى حد كبير، كما أنها تنعقد في أماكن منغلقة ومحددة، مثل دار الأوبرا، وقصور الثقافة، وبيوت الأدب والشعر، وهي أماكن ترتادها طائفة معينة من المثقفين.
الوصول للشباب
وأوصى عبد الباسط بضرورة الوصول إلى أماكن أكثر انفتاحًا واتساعًا، مثل الأندية والمدارس، التي هي أصل الداء، على حد تعبيره، مبينًا أن المدارس حاليًا تُخرج أجيال لا علاقة لها بفنون الرواية والشعر والمسرح والموسيقى. وأكد أن الحضور المؤسس للفنون على مستوى القاعدة الأوسع للمتلقي وهي المدارس بكل مستوياتها غير موجودة، مشددًا على أن الفنون تربي الذوق وتقدم خريج ذو معرفة حتى وإن كانت بسيطة.
وأضاف أن الجامعة لا تختلف كثيرًا عن المدارس، فالوعي العام في مؤسسات التعليم منعدم فعليًا، ولذلك فإن الثقافة مهما بذلت من مجهودات لن تستطيع أن تقدم شيئًا لأن من يؤمن بقيمة الفنون هم بالأساس قلة، لافتًا إلى ضرورة إضافة حصص في المدارس للمسرح والقراءة، وعودة الأنشطة الطلابية بالجامعات، متسائلًا لماذا غابت الأنشطة الجامعية بكل أشكالها من شعر ومسرح وخطابة، وهي الأنشطة التي أخرجت لنا فنانين كبار من قبل.
وأوضح أن هناك قاعدة في علم الخطاب تقول “لا يوجد شيء يمكنه أن ينهض بمفرده”، فالخطاب الديني لن ينهض إلا إذا وجدت الحريات، والحريات لن توجد إلا إذا حدثت نهضة في الخطاب الثقافي، وهكذا، أي أننا في حاجة إلى نهضة شاملة، لأن أي قوة تتمدد في فراغ بسبب انسحاب قوة أخرى، موضحًا أن الغياب الحالي لدور الدولة في إنتاج أفلام وأعمال درامية تناقش قضايا حقيقية، وأيضًا القطاع الخاص والمبادرات الفردية التي كانت موجودة حتى عام 2011، أدى إلى تمدد الأعمال الهابطة حاليًا.
التعليم الجيد.

الدكتورة هند مصطفى

الفن الهابط
وأضافت الدكتورة هند مصطفى، كاتبة روائية، إن الثقافة العامة للشعب تؤثر بشكل قوي في الذوق العام، موضحةً أن غياب التعليم الجيد، مع ازدياد المعروض من الأعمال الهابطة، أخرج أجيال لا علاقة لها بالأدب، بل وباللغة العربية نفسها. وبينت أن تقديم الفن الهابط أمر أسهل، لأن الإنسان يميل للأسهل، بخلاف ذلك فإن تقديم عمل قوي بلغة جيدة وفكرة بديعة هو أمر أصعب، موضحةً أن إنتاج الأفلام الهابطة أرخص ومُربح، فالسبب اقتصادي أيضًا.
ولفتت مصطفى إلى دور السوشيال ميديا في هذا الأمر، موضحةً أن هناك من البلوجرز والتيكتوكرز من يقدم محتوى هادف، ولكن لأن أي شخص حاليًا يمكنه أن يُقدم محتوى بصرف النظر عن مستوى ما يقدمه، فإن أصحاب المحتويات الهابطة هم الغالبية، وهي نسبة تعبر عن المجتمع المتشبع بحملة شهادات دون تعليم حقيقي.
وأشارت إلى أهمية أن يكون هناك تأثير وحضور لخدمات وزارة الثقافة في المدارس والجامعات، من أجل الوصول للشباب في أماكنهم، وكذلك ضرورة التعاون بين وزارتي الثقافة والإعلام للارتقاء بالذوق العام، بدلًا من إنغلاق كل وزارة على نفسها.

الدكتور طاهر أمين
تطبيق Chat GPT
ومن جهته، أشار الدكتور طاهر أمين، استشاري الذكاء البحثي والاصطناعي، إلى أن تطبيق “Chat GPT” يُعد من أهم أسباب انحدار الذوق العام، والفوضى الغنائية الحالية، حيث أصبح تأليف الأغاني شيء سهل، موضحًا أنه بمجرد طلب كتابة أغنية شعبية يظهر النص الذي ينسخه المستخدم ويضعه على برنامج  “Suno AI”  فتُصنع الأغنية المطلوبة، بأصوات غنائية مختلفة بالذكاء الاصطناعي وبتقنية عالية تشبه الأصوات البشرية بنسبة 90%، وذلك دون الاستعانة بمغني ومؤلف وعازف، وتنتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي كارثة على حد قوله.

وأضاف أمين أنه لا يمكن أن توجد رقابة على مثل تلك الأمور لأنها تطبيقات متاحة على الإنترنت، ولا يمكن إغلاقها، فالأمر يحتاج ضمير شخصي ورقابة ذاتية، لافتًا إلى أهمية دور رجال الأزهر والدين والقامات العلمية وأهل الخبرة في نشر الوعي، مطالبًا بأن يكون للإعلام دور قوي في الارتقاء بالذوق العام.
دعم المواهب المستحقة
وأوضح أن الفن حاليًا أصبح “بيزنس” في المقام الأول، فلا يمكن منعه، ولكن يُمكن تقديم أعمال راقية مناهضة للأعمال الرديئة عبر وسائل الإعلام للارتقاء بالذوق العام، عن طريق إعادة تقديم أغاني التراث، ودعم المواهب الجيدة المستحقة للشباب الذين يقومون بتأليف أغاني حماسية فيها دعم للجانب الأخلاقي، بالإضافة إلى ضرورة عدم تسليط الضوء في القنوات الفضائية والسوشيال ميديا على من يقدمون أعمال هابطة حتى لا يساعد ذلك على انتشارهم، لافتًا إلى أهمية دور نقابة المهن الموسيقية في عدم التساهل في قبول أعضائها، واتخاذ  قرارات حاسمة، وإن كانت أخذت بالفعل بعض الخطوات، ولكنها لم تُفعل، ربما بسبب أن التيار الهابط شديد، فالموضوع يستحق دراسة علمية بحثية للوصول إلى حلول تمكنا من نتيجة ملموسة.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=4736

موضوعات ذات صلة

وداعا دمشق … مرثية

المحرر

لوران موفينيه يخطف “غونكور” برواية تفتح باب الذكريات

المحرر

روايات رضوى عاشور كشفت الجانب الآخر من الحكاية

المحرر

شومان: جائزة الدولة للتفوق تكريم لمسيرة 40 عاما

المحرر

وزير الثقافة: مبادرات لنشر الثقافة وتعزيز الوعي

المحرر

السطوحي: مدرسة خضير البورسعيدي تدعم تعزيز الهوية

المحرر