شؤون سياسية

معارضة إسرائيلية وأمريكية لمخرجات قمة القاهرة

 وضعت القمة العربية بالقاهرة نفسها في مواجهة مباشرة مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة، بعدما أعلنت عن سلسلة من القرارات الطموحة، في مقدمتها وقف إطلاق النار في غزة والضفة الغربية، وإنشاء صندوق ائتماني لتمويل إعادة إعمار القطاع المدمر، ودعوة مجلس الأمن لنشر قوات حفظ سلام لحماية الفلسطينيين. غير أن هذه المخرجات لم تلقى ترحيبا في تل أبيب أو واشنطن، بل قوبلت برفض واضح وصريح، مما يطرح تساؤلات حول فرص تنفيذها على أرض الواقع.

تصعيد إسرائيلي

لم تنتظر إسرائيل طويلا للرد على نتائج القمة، حيث اعتبرت وزارة خارجيتها أن خطة إعادة الإعمار التي تبنتها الدول العربية تجاهلت حقيقة الوضع بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023. وذهبت تل أبيب إلى أبعد من ذلك، متهمة الدول العربية باستخدام الفلسطينيين كـ بيادق على مدار 77 عامًا، في خطاب يعكس مدى التوتر في العلاقة بين الطرفين.

ويؤكد اللواء أشرف فوزي، الخبير الأمني: إن رد الفعل الإسرائيلي يعكس حالة من الانزعاج الواضح من الجهود العربية لتشكيل موقف موحد بشأن القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن إسرائيل تدرك أن أي جهد منظم لإعادة إعمار غزة واستعادة السلطة الفلسطينية للقطاع سيضعف موقفها التفاوضي، ويفقدها ذريعة استمرار العمليات العسكرية بحجة القضاء على حماس

من ناحية أخرى، لم تتوقف الانتقادات الإسرائيلية عند هذا الحد، إذ أعادت تل أبيب التذكير بموقفها الرافض لوكالة الأونروا متهمة إياها بالفساد ودعم الإرهاب، في خطوة تهدف إلى عرقلة الجهود العربية والدولية الرامية إلى توفير دعم مستدام للفلسطينيين في غزة.

وعلى الجانب الأمريكي، لم يكن الموقف مختلفا كثيرًا، حيث اعتبر البيت الأبيض أن خطة إعادة إعمار غزة لا تعالج حقيقة أن القطاع غير صالح للسكن في الوقت الحالي، مؤكدًا أن الرئيس دونالد ترامب لا يزال متمسكا بمقترح القاضي بإعادة بناء غزة خالية من حماس، باعتبار أن سكان القطاع لا يمكنهم العيش بشكل إنساني وسط الأنقاض والذخائر غير المنفجرة.وهل هذة القرارات سيعمل بها يرى اللواء أشرف فوزي أن البيانات الصادرة عن القمم العربية دائمًا ما تحمل نوايا حسنة، لكنها تصطدم بالواقع السياسي والعسكري المعقد مضيفاً أن إسرائيل لن تسمح بسهولة بإعادة إعمار غزة وفق رؤية عربية، كما أن مجلس الأمن لن يكون قادرا على تمرير قرار نشر قوات حفظ سلام دون موافقة أمريكية

ويرى المحلل السياسي عدلي الهواري أن الموقف الأمريكي لا يخرج عن إطار دعم إسرائيل، لكنه يحمل في طياته أيضًا مخاوف من إمكانية أن تتسبب خطة إعادة الإعمار في إضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة، مشيرًا إلى أن الإدارة الأميركية، سواء بقيادة ترامب أو غيره، لا تزال ترى في غزة ملفا أمنيا أكثر منه إنسانيا، وتفضل بقاء الوضع على ما هو عليه إلى حين تحقيق تسوية تحقق مصالحها الاستراتيجية

لكن في المقابل، تبقى هناك أصوات داخل واشنطن تعارض مقترح ترامب القاضي بتهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، حيث يعتبر هذا السيناريو غير قابل للتطبيق عمليا، فضلا عن كونه يتعارض مع القانون الدولي، وهو ما دفع دولا عربية، وفي مقدمتها مصر والسعودية، إلى إعلان رفضها القاطع له، مؤكدين أن أي حل يجب أن يكون ضمن إطار الدولة الفلسطينية المستقلة

وحدة الموقف

على الرغم من المعارضة الأمريكية والإسرائيلية، فإن القمة العربية شهدت توافقا نادرا على ضرورة استكمال وقف إطلاق النار، ودعوة مجلس الأمن لنشر قوات حفظ سلام، فضلا عن إنشاء صندوق ائتماني لتمويل إعادة الإعمار، وهو ما اعتبره البعض تطورا إيجابيا في الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية.

ويرى عدلي الهواري، أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب آليات التنفيذ، موضحا أن إعلان تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة غزة قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لن يتحقق دون توافق فلسطيني داخلي، وهو ما لا يبدو متاحا في ظل الخلافات بين السلطة الفلسطينية وحماس

هل يكون الصندوق الائتماني هو الحل

إحدى أبرز نتائج القمة كانت الاتفاق على إنشاء صندوق ائتماني لإعادة إعمار غزة، في خطوة تهدف إلى تجاوز العقبات السياسية والمالية التي عطلت جهود الإعمار في السابق. وتقدمت مصر بخطة بقيمة 53 مليار دولار لإعادة بناء القطاع على مدى خمس سنوات، وهو مبلغ يعادل تقديرات الأمم المتحدة لحجم الأضرار.

ورغم أهمية هذا الصندوق، لا تزال هناك مخاوف بشأن آلية عمله وتمويله، حيث يرى بعض الخبراء أن نجاحه مرهون بمدى التزام الدول العربية والمجتمع الدولي بالمشاركة فيه، وعدم خضوعه لأي ضغوط سياسية قد تعرقل تنفيذ مشاريعه.

ماذا بعد القمة؟

في الوقت الذي اختتمت فيه القمة بآمال كبيرة، لا تزال مفاوضات الهدنة بين حماس وإسرائيل متعثرة، حيث اشترطت تل أبيب نزع سلاح المقاومة كشرط أساسي للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو مطلب ترفضه الفصائل الفلسطينية بشكل قاطع.

في المقابل، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس استعداد السلطة لإجراء انتخابات عامة العام المقبل، وهو ما اعتبره البعض محاولة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، خاصة في ظل الدعوات العربية إلى توحيد الصف الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير.

لكن في ظل الموقف الإسرائيلي الرافض لأي دور للسلطة في غزة، والدعم الأمريكي غير المشروط لتل أبيب، يبقى من الصعب الجزم بما إذا كانت هذه المبادرات العربية تترجم إلى واقع ملموس أم ستظل مجرد قرارات على الورق.

ويظل صراع الإرادات مستمر بين قرارات القمة العربية، والموقف الإسرائيلي الرافض، والدعم الأمريكي لمقترح ترامب، يجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى أمام واقع معقد، حيث تظل أي حلول مستقبلية مرهونة بميزان القوى على الأرض، ومدى قدرة الأطراف المختلفة على فرض رؤيتها. وفي ظل هذه المعادلة الصعبة، تبقى إعادة إعمار غزة، ووقف إطلاق النار، وإنهاء الحصار، مجرد أهداف تنتظر من يملك القوة والإرادة لتحقيقها.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5565

موضوعات ذات صلة

حزب الله يستقبل فوز ترامب بمائة صاروخ على اسرائيل

المحرر

صراع الردع يضع المنطقة على حافة مواجهة جديدة

المحرر

السوداني يحيل وزراء للقضاء ويتحدى خصومه

المحرر

الرعب والخوف والهروب إلى الملاجئ بعد استهداف يافا

المحرر

قانون الأحوال الشخصية الجديد في ميزان الخبراء

المحرر

السلطة الفلسطينية تستعرض فرض قوتها فى مخيم اللاجئين بجنين

المحرر