في أجواء احتفالية راقية بالقاهرة، وبحضور نخبة من ممثلي الأندية، الإعلام، والجهات الراعية، أُجريت مراسم قرعة الدوري المصري الممتاز لموسم 2025-2026، والتي تحوّلت من مجرد مناسبة بروتوكولية إلى منصة حقيقية للإصلاح الرياضي، بعد سلسلة من التصريحات الرسمية والإجراءات التنظيمية التي أعلنت عنها رابطة الأندية المحترفة.
بدأ أحمد دياب، رئيس رابطة الأندية المحترفة، كلمته خلال مراسم القرعة بتوجيه الشكر للأندية المشاركة والإعلاميين، قبل أن يُسلط الضوء على التغييرات الأهم، وهي التعديلات التي طرأت على لائحة المسابقة، مؤكدًا أن هذه الخطوة لم تكن عشوائية، بل جاءت بعد دراسة دقيقة لمقترحات الأندية.
قال دياب: “التعديلات التي أُجريت على لائحة الدوري لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بعد مراجعة مقترحات الأندية، التي تم تقديمها خلال المهلة الرسمية، وجرى عرضها على مجلس إدارة الرابطة، والذي أقرها بالإجماع. نحن نؤمن بأهمية أن يكون صوت الأندية مسموعًا في عملية تطوير كرة القدم المصرية.”
بهذه العبارة، رسم دياب ملامح مرحلة جديدة تشهد لأول مرة إشراك الأندية كطرف رئيسي في صناعة القرار الإداري والتنظيمي، وهو تحوّل يُحسب لإدارة الرابطة، التي تسعى لأن تكون وسيطًا نزيهًا بين الأندية والاتحاد المصري لكرة القدم.
تعديلات اللوائح
ضمن أبرز التعديلات، أكدت الرابطة أن اللائحة الجديدة جاءت أيضًا استجابة لتجارب سابقة أثارت الكثير من الجدل، لعل أبرزها أزمة مباراة القمة الموسم الماضي، والتي لم تُلعب في موعدها الرسمي لأسباب عدم استقدام حكام اجانب، ما تسبب في انقسام قانوني حاد بسبب عدم وضوح البند الخاص بالانسحاب وعدم الحضور.
وأوضح دياب أن المادة الخاصة بالانسحابات قد جرى تعديلها بشكل واضح وصريح، مع تحديد الحالات القهرية المقبولة، وآليات تقديم التظلمات، والفصل بين الانسحاب المبرر وغير المبرر، وذلك لتفادي تكرار ما حدث مع النادي الأهلي والزمالك في الموسم الماضي، وما ترتب عليه من حالة احتقان في الوسط الرياضي.
ومن بين التعديلات اللافتة أيضًا، ما يتعلق بحماية الطواقم التحكيمية، حيث تم اعتماد مواد جديدة تتيح توقيع عقوبات فورية على الأجهزة الفنية والإدارية في حال الاعتداء اللفظي أو السلوكي على الحكام، حتى دون الحاجة لتقارير إضافية، وهو ما يعكس رغبة حقيقية في فرض احترام الحكم باعتباره حجر الأساس لأي منظومة كروية محترفة.
وفي خطوة تهدف لمواكبة الإيقاع السريع للمباريات، خُفّضت المدة المقررة لاستقدام حكام أجانب من 15 يومًا إلى 10 أيام فقط، مما يتيح مرونة أكبر للأندية، ويعزز الشفافية في المباريات المصيرية.
نشر اللوائح رسميًا
لأول مرة، تم نشر اللائحة الكاملة للمسابقة، إلى جانب لائحة كأس عاصمة مصر، ولوائح العقوبات الجديدة على الموقع الإلكتروني الرسمي لرابطة الأندية، مع تسليم نسخ ورقية منها إلى جميع الأندية قبل وقت كافٍ من انطلاق الموسم.
هذا الإجراء، وفقًا للرابطة، يهدف إلى إلغاء أي مساحات للغموض أو الاجتهاد في تفسير اللوائح، كما يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، ويؤسس لموسم أكثر وضوحًا وعدالة من حيث التنظيم والمحاسبة.
تنظيم مختلف: قرعتان لا قرعة واحدة
من بين أبرز المستجدات التي أعلن عنها أحمد دياب، أن الموسم الحالي سيشهد قرعتين منفصلتين، عوضًا عن قرعة واحدة تشمل جدول الموسم بالكامل، وذلك لتفادي الالتباس الذي حدث في المواسم السابقة.
“القرعة الأولى ستكون لـ 20 جولة تمهيدية، وبعدها تُجرى قرعة ثانية عقب تقسيم الفرق إلى مجموعتين، ما يضمن الوضوح الكامل لكل الأطراف”، بحسب تصريح رئيس الرابطة.
ويعكس هذا القرار استجابة مباشرة لانتقادات الموسم الماضي، حين تم اتهام الرابطة بعدم الوضوح في ترتيب المواجهات، وهو ما أثّر على شكل المنافسة في جولاتها الأخيرة.
نظام البطولة الجديد: تنافس حتى اللحظة الأخيرة
وفقًا لما أُعلن خلال المؤتمر، فإن الدوري هذا الموسم سينطلق في 8 أغسطس 2025، وسيُقام وفق نظام مرحلتين:
• المرحلة الأولى: تقام على مدار 20 جولة، تلعبها جميع الأندية بنظام الدوري المعتاد.
• المرحلة الثانية: تُقسم الفرق إلى مجموعتين:
• مجموعة تضم أول 7 فرق في الترتيب، تتنافس لتحديد بطل الدوري.
• مجموعة تضم الـ14 فريقًا المتبقية، تتنافس لتفادي الهبوط إلى دوري القسم الثاني (دوري المحترفين).
هذا النظام الجديد يهدف إلى إبقاء التنافس مشتعلًا حتى الجولات الأخيرة، وهو مستوحى من نماذج أوروبية مثل الدوري البلجيكي والدنماركي، كما يعكس توجهًا لإضفاء الإثارة على مراحل الحسم.
من الاحتراف إلى التمكين: ملامح المرحلة المقبلة
ما خرج به المتابعون من مراسم قرعة الدوري للموسم الجديد، لا يقتصر على تفاصيل فنية أو مواعيد مباريات، بل يتعدى ذلك إلى رؤية أشمل لمسار الإصلاح الإداري والتنظيمي في كرة القدم المصرية.
رابطة الأندية، بقيادة أحمد دياب، بدت أكثر انفتاحًا، أكثر تنظيمًا، وأكثر وعيًا بتحديات اللحظة. ومع إشراك الأندية في صياغة اللوائح، واعتماد آليات مرنة تحاكي المعايير الدولية، يمكن القول إن الدوري المصري يتجه فعليًا نحو مرحلة احترافية حقيقية، قائمة على الشفافية، الشراكة، والمسؤولية الجماعية.
ويبقى السؤال الأهم: هل تنجح هذه المنظومة في الحفاظ على ما بدأت به؟ وهل تشهد الأسابيع الأولى من الموسم تنفيذًا فعليًا لما تم الإعلان عنه؟ الجواب سيكون في أرض الملعب، وفي غرف الاجتماعات، وعلى لسان الجماهير والإعلام.