شؤون سياسية

هل تنجح سوريا في تفادي عودة العقوبات؟

انطلق إعلان المجلس السوري الأمريكي عن صفقة سياسية لإلغاء قانون “قيصر” كواحدة من أبرز التطورات في الملف السوري منذ سقوط نظام بشار الأسد في يناير 2024. فالصفقة التي أعلن عنها في واشنطن، لم تأتِ من فراغ، وإنما بعد مشاورات مطولة داخل الكونغرس الأمريكي، بين الجمهوريين والديمقراطيين، انتهت إلى صياغة تسوية تضع الحكومة السورية أمام جملة من الالتزامات الصارمة، مقابل تعليق العقوبات تدريجياً.

وكشف محمد علاء غانم، رئيس السياسات بالمجلس، أن الحكومة السورية مطالبة بتقديم تقارير دورية للكونغرس كل ستة أشهر، يرفعها وزير الخارجية أسعد الشيباني، ليؤكد فيها مدى التزام دمشق بالمعايير المتفق عليها. وتضمنت أبرز هذه المعايير القضاء على تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، وضمان حقوق الأقليات العرقية والدينية، ومنع أي عمل عسكري ضد الجيران، بما في ذلك إسرائيل، إضافة إلى التعاون مع التحالف الدولي ضد الإرهاب. كما نص الاتفاق على أن فشل دمشق في الالتزام لفترة تتجاوز 12 شهراً يعني عودة العقوبات تلقائياً، وهو ما يعكس أن الإلغاء ليس نهائياً، بل مشروطاً ومراقباً بشكل دائم.

ويرى اللواء شبل عبد الجواد، رئيس الشرطة العسكرية السابق ورئيس هيئة مكافحة الإرهاب في المنطقة العربية، أن هذه الصفقة لا يمكن قراءتها فقط من زاوية اقتصادية، بل تحمل أبعاداً أمنية وسياسية واضحة. ويقول: “التزامات الحكومة السورية لن تكون سهلة التنفيذ، فواشنطن ربطت الإلغاء بتحقيق أهداف تخص أمنها القومي وأمن حلفائها، وفي مقدمتهم إسرائيل. هذا الشرط يكشف أن البعد الإقليمي حاضر بقوة، وأن أي خرق قد يقود إلى عودة العقوبات بشكل أشد من السابق.”

ويضيف اللواء عبد الجواد أن بند محاربة داعش يشكل تحدياً بالغ الصعوبة، في ظل استمرار نشاط بعض الخلايا على الأرض السورية، وتحركها عبر الحدود. لكنه يرى أن الالتزام بهذا الشرط قد يمنح دمشق فرصة لإثبات قدرتها على فرض الاستقرار داخلياً، بما يفتح الباب أمام إعادة تموضعها في الساحة الإقليمية. ويشدد على أن عودة سوريا إلى الخارطة الأمنية للمنطقة لن تمر إلا عبر بوابة محاربة الإرهاب، وهو ما يضعها أمام معركة مزدوجة: معركة عسكرية على الأرض، ومعركة سياسية أمام الكونغرس الأمريكي.

مزاج واشنطن السياسي

ومن جانبها، تشير رشا فتحي، المتخصصة في الشؤون الإقليمية، إلى أن الصفقة تمثل تحولاً في المزاج السياسي داخل واشنطن. وتوضح: الإدارات الأمريكية المتعاقبة اعتمدت العقوبات كوسيلة لإضعاف النظام، لكن النتائج جاءت معاكسة، إذ تحمّل الشعب السوري العبء الأكبر. لذلك جاء هذا التوجه الجديد باعتباره حلاً وسطاً: تعليق مشروط للعقوبات، مقابل التزامات واضحة من الحكومة السورية.

وتلفت رشا إلى أن إدخال بند التحقيق في التجاوزات ضد الأقليات ومحاكمة المتورطين في الانتهاكات منذ يناير 2024 يعكس رغبة أمريكية في إعادة صياغة الداخل السوري سياسياً واجتماعياً، وليس فقط أمنياً. وترى أن هذا الشرط يفتح الباب أمام جدل داخلي حول مدى استقلالية القضاء السوري، وقدرته على التعامل مع ملفات حساسة بهذا الحجم.

وتضيف المحللة أن آلية المراجعة الدورية التي نصت عليها الصفقة تجعل الكونغرس في موقع المراقب الدائم، بما يمنح واشنطن أداة ضغط طويلة الأمد. فهي، من وجهة نظرها، لم تتخلّ عن أوراقها، بل وضعت دمشق تحت اختبارات متكررة، يمكن استخدامها لإعادة فرض العقوبات في أي لحظة. وتؤكد أن هذه الآلية تجعل الصفقة أقرب إلى “تعليق مشروط أكثر من كونها رفعاً نهائياً للعقوبات.

وبينما يرى البعض أن الاتفاق يشكل نافذة أمل للشعب السوري للخروج من دائرة العقوبات الخانقة، يعتبر آخرون أنه بمثابة إعادة إنتاج للوصاية الأمريكية على القرار السوري. ومع ذلك، تبقى المرحلة المقبلة حاسمة، فنجاح الحكومة في الالتزام بالبنود قد يفتح الباب أمام استعادة تدريجية للعلاقات الدولية، بينما الفشل يعني عودة العقوبات بقوة أكبر.

وفي المحصلة، تكشف الصفقة أن سوريا أمام اختبار سياسي وأمني واقتصادي طويل الأمد، وأن قدرتها على تجاوز هذا الامتحان ستحدد ملامح مستقبلها في السنوات القادمة، بين العودة إلى الحضن الإقليمي والدولي أو البقاء رهينة العقوبات والضغوط

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5052

موضوعات ذات صلة

إيران تدفع حزب الله لمغازلة الرياض

المحرر

الجيش اللبناني يتقدّم وحزب الله يتراجع بصمت

المحرر

برلمانيون: حكم الدستورية بشأن الإيجار القديم رفع الحرج عن الجميع

المحرر

الاحزاب تثمن العفو عن 54 من اهالي سيناء

المحرر

بغداد فى مرمى نيران الكونجرس الأمريكي

المحرر

هل تواجه سوريا خطر الفخ الليبي ؟

المحرر