شؤون سياسية

هل تنجح واشنطن في كثر جمود الحرب السودان

 في مشهد سياسي معقد يزداد تشابكا يومًا بعد يوم، جاء لقاء الفريق أول عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، مع مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية، في سويسرا، ليعيد السودان مجددا إلى دائرة الضوء الدولي. اللقاء، الذي استمر ثلاث ساعات، حمل بين طياته رسائل أميركية واضحة: وقف الحرب فوراً، والانخراط في عملية تفاوضية جادة، والتأسيس لعلاقات امريكية – سودانية مشروطة بتحول مدني ديمقراطي، وهو الشرط الذي لا يبدو أن واشنطن مستعدة للتنازل عنه.

ورغم أن هذه المحاولة الأمريكية ليست الأولى، فإنها تأتي وسط إدراك دولي بأن استمرار النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ اندلاعه في أبريل 2023، قد أنتج واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، بحسب توصيف الأمم المتحدة. عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين، وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة، هي الحصيلة المؤلمة التي تدفع الأطراف الفاعلة إلى البحث عن أي بارقة أمل لوقف هذا النزيف.

اللواء يونس السبكي، الخبير الاستراتيجي، يرى أن اللقاء يحمل دلالات أعمق من مجرد تبادل للآراء. فبحسب تعليقه، فإن وجود مستشار رئاسي أميركي بهذا المستوى في لقاء مباشر مع البرهان، يشير إلى رغبة واشنطن في إعادة صياغة قواعد اللعبة في السودان، لكن بشروطها الصارمة التي تربط الدعم السياسي والاقتصادي بالتحول المدني. السبكي يضيف أن الموقف المتصلب للبرهان تجاه قوات الدعم السريع، وإصراره على استبعادها من أي دور سياسي، قد يعرقل الوصول إلى تسوية شاملة، لكنه في الوقت نفسه يعكس قناعة الجيش بأن إشراك خصمه العسكري في مستقبل البلاد يحمل مخاطر أمنية كبيرة.

أما الصحفية السياسية رشا فتحي، تقرأ المشهد من زاوية أخرى، مؤكدة أن التحرك الأمريكي، وإن بدا هذه المرة أكثر جدية، يظل رهينا بتقاطع المصالح الإقليمية. هناك أدوار محورية للسعودية، مصر، الإمارات، وقطر، وكل منها يملك أوراق ضغط على أحد طرفي الصراع، تقول فتحي، مشيرة إلى أن الترتيب القطري للقاء يعكس رغبة الدوحة في استعادة دور الوسيط الفاعل، خصوصًا بعد فشل جولات سابقة قادتها الرياض وواشنطن.

لكن ما يميز هذه الجولة من الاتصالات، هو المسار المزدوج الذي تتبناه واشنطن، إذ يخطط بولس للقاء وفد من قوات الدعم السريع، في خطوة تهدف إلى تقريب المواقف بين الطرفين ودفعهم إلى طاولة المفاوضات. هذه الاستراتيجية، إذا ما كُتب لها النجاح، قد تفتح الطريق أمام مفاوضات مباشرة، وهو ما يطالب به تحالف صمود بقيادة عبدالله حمدوك، الذي رحب بالمبادرة الأمريكية واعتبرها خطوة جادة نحو إنهاء الحرب.

التحالف دعا، في بيانه، إلى تسريع وتيرة المشاورات وعقد لقاء مباشر بين قيادتي الجيش والدعم السريع، مشددا على أن استمرار الصراع يهدد بقاء الدولة نفسها، وأن الكل خاسر في هذه المعركة الطويلة. هذه الرؤية تتقاطع مع تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من أن استمرار النزاع سيدفع السودان نحو انهيار شامل، ويزيد من معاناة شعبه.

المفارقة أن الموقف الأمريكي يضع الأطراف السودانية أمام اختبار صعب: إما القبول بخارطة طريق جديدة تُبنى على تنازلات متبادلة، أو مواجهة عزلة سياسية واقتصادية قد تطيح بما تبقى من توازن داخلي. وفي ظل إصرار البرهان على موقفه، وتمسك الدعم السريع بمطالبه، تبدو الطريق إلى السلام محفوفة بالعقبات، لكن التحرك الأخير يثبت أن الباب لم يُغلق بعد، وأن الفرصة ما زالت قائمة، وإن كانت ضيقة، لكتابة فصل جديد في تاريخ السودان، فصلٍ قد يبدد غيوم الحرب التي خيمت على سمائه لأكثر من عامين

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5457

موضوعات ذات صلة

حركة رجال الكرامة وتظاهرالاول ضد حكومة الشرع

المحرر

تصريحات القائد العسكري لهيئة تحرير الشام هل تنجح

المحرر

غزة بين مبادرة ترامب وتعنّت نتنياهو

المحرر

مطالب برلمانية بالتصدي لاستغلال الأطفال على مواقع التواصل

المحرر

اسرائيل وخطط التوسع فى العمليات البرية فى لبنان

المحرر

اعلان عباس بحق إسرائيل سيؤدى للمزيد من الاستيطان

المحرر