
يُعد شارع 45 بدائرة المنتزه في الإسكندرية أحد أهم الشرايين المرورية التي تربط شرق المدينة بغربها، ويمثل محوراً حيوياً للكثافة السكانية العالية في مناطق العصافرة والمندرة وسيدي بشر. إلا أن هذا الشارع يشهد، على مدار الساعة، أزمة مركبة ومزمنة تتمثل في التكدس المروري الخانق وانتشار الإشغالات العشوائية وسيطرة مركبات “التوك توك”، مما يحوله إلى بؤرة للفوضى المرورية التي تؤرق السكان والوافدين.
تتجلى أزمة الإشغالات في تحويل بعض أصحاب المحال والكافيتريات والأسواق العشوائية للأرصفة وحرم الطريق إلى امتداد لمتاجرهم، وعرض بضائعهم بشكل يعيق حركة المارة والمركبات، فبالرغم من الحملات المتكررة التي تشنها الأجهزة التنفيذية بحي المنتزه أول وثانٍ لرفع هذه الإشغالات والتحفظ عليها، إلا أن المشكلة سرعان ما تعود للظهور مجدداً بمجرد انتهاء الحملة، مما يشير إلى غياب الرادع القوي أو الاستمرارية في المتابعة.
الفوضى المرورية و”التكاتك”
يساهم الانتشار العشوائي وغير المنظم لمركبات “التوك توك” في تفاقم الأزمة، حيث تتحرك هذه المركبات غالباً بدون ترخيص أو التزام بقواعد المرور، وتتسبب في عرقلة حركة السير بشكل كبير، إذ يشتكي المواطنون بشارع 45 قبلي من البلطجة المرورية التي يمارسها بعض سائقي التكاتك، مما يجعل عبور الشارع أمراً صعباً، خاصة على كبار السن والأطفال.
تُعلن محافظة الإسكندرية بشكل دوري عن حملات مكبرة لإعادة الانضباط للشارع السكندري، شملت في بعض الأحيان إخلاء شارع 45 بالكامل من الإشغالات وتسهيل حركة المرور، وفرض غرامات فورية على المخالفين. كما تم مؤخراً تنفيذ تحويلات مرورية مؤقتة في إطار استكمال مشروعات تطويرية مثل كوبري الفريق أول سليمان عزت، والتي تهدف في الأساس إلى تحسين السيولة المرورية على المدى الطويل.
ومع ذلك، يطالب الأهالي بضرورة تطبيق حلول أكثر استدامة وفعالية من خلال تفعيل دوريات مرورية ثابتة في الشارع لضمان عدم عودة الإشغالات ومخالفات “التوك توك” بشكل فوري، بالإضافة إلى إنشاء أسواق بديلة ومنظمة للباعة الجائلين لاستيعابهم ومنع انتشارهم العشوائي في الشوارع الرئيسية، وذلك بجانب تنظيم عمل مركبات “التوك توك” وحصر حركتها في الشوارع الفرعية أو مناطق محددة، مع تطبيق القانون بحزم على المخالفين.
تظل أزمة شارع 45 نموذجاً للتحديات التي تواجه الإدارة المحلية في تحقيق التوازن بين النشاط التجاري وحركة المواطنين، وتتطلب تكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية لإيجاد حلول تضمن سيولة مرورية مستدامة وتحفظ المظهر الحضاري للمدينة الساحلية.
يمكن للإسكندرية الاستفادة من تجارب دولية وعربية نجحت في إدارة تحديات مشابهة، فعلى سبيل المثال، قامت مدن كبرى بتطبيق أنظمة صارمة لمناطق “منخفضة الانبعاثات” للحد من دخول المركبات القديمة الملوثة للبيئة إلى المناطق المزدحمة، أو فرض رسوم ازدحام مروري خلال ساعات الذروة، مما يقلل من عدد السيارات العابرة ويشجع على استخدام النقل العام، إذ إن هذه النماذج تؤكد على أن الحلول الجذرية تتطلب قرارات جريئة تتجاوز مجرد الحملات المؤقتة، وتتطلب توفير بدائل نقل عام فعالة وجذابة للمواطنين.
الثمن الذي يدفعه القاطنون
إن التكدس المروري المستمر في شارع 45 لا يقتصر تأثيره على إهدار الوقت والجهد، بل يمتد ليشكل خطراً بيئياً وصحياً مباشراً على سكان المنطقة، فالاختناق المروري يؤدي إلى زيادة كبيرة في انبعاثات العوادم الضارة والملوثات السامة الناتجة عن احتراق الوقود في آلاف المركبات المتوقفة أو البطيئة الحركة. حيث إن هذا التلوث يرفع معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والحساسية بين السكان القاطنين على جانبي الشارع، مما يضيف بعداً صحياً عاجلاً يتطلب تدخلاً حكومياً لحماية الصحة العامة.
يظل شارع 45 بالإسكندرية شاهداً على أزمة تتطلب أكثر من مجرد جهود إدارية روتينية؛ فالنجاح في فك الاختناق المروري والقضاء على الإشغالات يتطلب إرادة سياسية حقيقية تضمن التنسيق الكامل بين كافة الأجهزة المعنية من إدارة المرور والأحياء وشرطة المرافق، حيث إن الحلول المطروحة معروفة، ولكن تطبيقها يحتاج إلى رؤية متكاملة تضمن الاستمرارية والعدالة في التطبيق، لتحويل هذا الشريان الحيوي من بؤرة توتر وفوضى إلى نموذج للشوارع المنظمة في عروس البحر الأبيض المتوسط.
