ثقافة وأدب

إعلان الإخوان الدكتاتوري .. وأيام الغضب المصري

“اليوم هو بداية القصاص الحقيقي لدماء الشهداء والتي هي أمانة في عنقي” عبارة أطلقها الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي على حسابه بشبكة التواصل الاجتماعي “تويتر” سابقا- عقب الإعلان الدستوري الذي أصدره في نوفمبر 2012، والذي يتضمن استبداد الرئيس بالسلطات الثلاث، وعدم جواز مراجعته في أي قرار “ثوري” من قبل أي جهة قضائية عليا ولا المحكمة الدستورية العليا، وتضمنت القرارات تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية للدستور من الحل!

كانت الأجواء مشحونة سياسيا، والعنف يملأ الميادين بين مؤيدي الجماعة ومعارضيها. في تلك الأيام، كان نظام الإخوان الحاكم يلح في تبرير تلك القرارات الديكتاتورية ويصورها عبر منابره بانها ضرورة لمواجهة فلول نظام مبارك ومحاكمتهم على جرائم الفساد السياسي، مستشهدا بقرارات ثورة يوليو الاستثنائية ذاتها بقيادة الضباط الأحرار؛ لكن النخب المصرية ورجل الشارع البسيط، أدركوا أن ما حدث لم يكن قرارات لصالح المجتمع، وإنما لصالح جماعة الإخوان فحسب.

وبوضوح أعلنت النخب السياسية والثقافية المصرية رفضها لهذا التغوّل الإخواني على السلطات. واستقال المفكر سمير مرقص مستشار الرئيس لشئون التحول الديمقراطي احتجاجا على القرار الذي وصفه بنسف دولة القانون . وخرج نادي القضاة منذرا بأن القرارات تسقط شرعية الرئيس نفسه.

النخب المصرية تقول “لا”

عبر صفحات التواصل الاجتماعي الأقرب للشارع المصري؛ عبر كثير من المثقفين عن غضبهم من الإعلان الدستوري؛ فأكد الشاعر أحمد بخيت أن الرئيس غرّه من حوله، ولا تشفع له محاكمات القتلة من النظام السابق لأنها تبعت بقرارات تشبه عصر مبارك. واعتبر الكاتب الراحل جمال الغيطاني أن القرارت تلغي القضاء وتعيدنا لحكم الغاب.

الكاتب صبحي موسى مدير النشر بقصور الثقافة آنذاك اعتبر أن القرارات أسلوب من الرئيس لمحو آثار فشل نظامه في إدارة شئون البلاد، مؤكدا أن الأحكام الدستورية تعيدنا لعصور بائدة. أما الناقد الراحل صلاح الراوي، فأشار إلى أن مطالب اعادة المحاكمات لقتلة الثوار كانت مطالب ثورية ولكن ذلك لا يبرر قرارات تكرس للديكتاتورية.

بدوره رأى الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، أن القرارات تشبه انقلابا من الرئيس على كل شيء في البلد. واعتبر القانوني الكبير حسام عيسى أن القرارات توجب إسقاط الرئيس مرسي . 

الدكتور عز الدين شكري صاحب رواية “باب الخروج” غرّد على صدر صفحته: ” ما يجري استيلاء من جماعة الإخوان على السلطة وانقلاب على الشرعية الدستورية” مؤكدا أن المخرج من الأزمة هو مزيد من التوافق الوطني بين الديمقراطيين والمحافظين والإسلاميين. ووصف الدكتور عماد أبوغازي وزير الثقافة الأسبق القرارات بأخطر انقلاب دستوري في تاريخ مصر.

الطريق للثورة

في كتابه “سقوط الإخوان” يكتب مصطفى بكري عن دولة الإخوان التي حكمت لمدة عام، فأطاحت بالقوانين، وسعت لإحلال الجماعة محل الدولة، فأقاموا مؤسسات موازية وصنعوا لأنفسهم دستورًا، ولهذا ثار المصريون، تظاهروا في الشوارع، مدركين أن هذا التراب الوطني لن يكون غاليا عند الجماعة، وسيسعون لاسترضاء أمريكا بالتفريط في سيناء للفلسطينيين. 

كانت تلك العلاقة الدافئة الإخوانية الامريكية والتي وصفها الكتاب بـ”الزواج الباطل” منطلق وصولهم للسلطة، وقد بدأت بوساطة د.سعد الدين إبراهيم لقيادات الإخوان لدى السفارة الأمريكية في صفقة اتفق معهم عليها منذ جمعهم سجن طرة، وبالفعل بمجرد خروجه بدأت زيارات السفراء الغربيين للإخوان تنهال، وحصلوا على تطمينات بخصوص موقف الجماعة من اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل، وموقفهم من أصحاب المذاهب الدينية، وموقفهم من المرأة والإبداع وأخيرا تأييد الموقف الغربي من إيران. ورغم تحفظ الإخوان في العلن على تلك الملفات، لكنهم كانوا يوافقون سرا على تلك المطالب، في سبيل التأكد من الدعم الأمريكي لهم.

ويربط الكاتب بين الدعم الأمريكي للإخوان آنذاك، والمخطط المعروف للشرق الأوسط الكبير، والذي وضعه برنارد لويس، بتقسيم مصر والدول الكبرى في المنطقة، واللعب على أوتار التأثير في المجتمعات، وبينها الإسلاميون الذين يمتلكون شعبية كبيرة ولا مانع لديهم من ضرب فكرة القومية العربية وفتح الطريق أمام مصالحة تاريخية بين العرب وإسرائيل وضمان حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

كان المخطط جزء من بنية الجيل الرابع من الحروب، والرامي- بحسب الكتاب- لتآكل بطيء للدول المستهدفة من الداخل، بديلا عن الحروب العسكرية. ويتطلب ذلك زعزعة الاستقرار وخلق دول فاشلة وتابعة للغرب.

حين وصل الإخوان بالفعل للحكم، وبعد مرور عدة أشهر، كانت سياستهم اكثر وضوحا. مكتب الإرشاد هو الحاكم الحقيقي في القصر الجمهوري ومع تزايد ضغط الشارع على جماعة الإخوان، تسارعت وتيرة العمليات الإرهابية في سيناء، وبدأت أصابع الاتهام تتجه نحو علاقة ما تربط قيادات في الطرفين، والأشد خطورة كان محاولات الجماعة إقصاء الجيش عن مباشرة مهامه المستقلة في حماية الوطن، والتدخل بتغيير قياداته لإرباك إرادته، مع استمرار حرب التصفيات إلى جهاز الرقابة الإدارية وغيرها من مفاصل الدولة، وهو ما دعم المخاوف من استمرار وجود الإخوان في الحكم.

لقد وصل الحال لأن دعا الرئيس الأسبق محمد مرسي قيادات إسلامية متطرفة وبينهم قتلة الرئيس السادات ضمن عشرات الألوف من الشباب التي تم حشدها في الاستاد إبان الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر!

ازدادت حدة المواجهات مع الدعوة لمليونية 30 يونيو، وحشد أنصار الإخوان آلاف الشباب في تجمعات كبرى في ميادين رابعة والنهضة، والتي شكلت بؤرا خطرة على الأمن القومي المصري، خاصة مع وجود الكثير من الوجوه المتطرفة فيها، وبدا ان الجماعة على استعداد لحرق الأرض قبل الرحيل.

كانت تلك بعضا من ملامح الطريق الذي قاد المصريين لثورة 30 يونيو بحشود هائلة تدفقت لميادين التحرير والاتحادية وكافة شوارع مصر، مطالبين برحيل جماعة الإخوان، ومناشدين الجيش بحماية الثورة الشعبية الوطنية، وقد كان التحام الجيش مع الشعب وكافة النخب والمؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف، هو الطريق الآمن لمصر قبل أن تسقط في بؤرة الفوضى الشاملة التي جرى التخطيط لها طويلا.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=442

موضوعات ذات صلة

الأزهري: التكفيريون يُروّجون الفتن.. وفكرهم باب كل شر

المحرر

د. أسامة رسلان: التكامل الإفريقي يحقق النهضة الزراعية

المحرر

ملحمة آخر الزمان في الصفحات الأخيرة لمحمد أنيس

المحرر

لنا عبد الرحمن: الموت حضر بأكثر من وجه في أعمالي

المحرر

حمدي السطوحي: الخط العربي فن يعزز الهوية

المحرر

بطولات أكتوبر الميدانية تضئ معرض الكتاب

المحرر