شؤون سياسية

إيران تناور والوقت يوشك أن ينفد

  تبدو   اللحظة حرجة، والخيار الذي تقف أمامه إيران قد يكون الأكثر مصيرية منذ سنوات. فبينما تلوح في الأفق فرصة جديدة لإحياء الاتفاق النووي الذي انهار عام 2018، تصر طهران على موقف متشدد، وتستعد للرد سلبا على المقترح الأمريكي الذي نقله وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي خلال زيارته الأخيرة لطهران. في الكواليس، يتحرك الوسطاء، ويتزايد الضغط الدولي، لكن نبرة التصريحات الإيرانية لا توحي بمرونة، بل تعكس تشددا قد يضع المنطقة كلها على حافة صراع لا تحمد عقباه.

الدبلوماسي الإيراني الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أكد أن المقترح الأمريكي لا يراعي مصالح إيران، خصوصًا فيما يتعلق بحقها في تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها. يرى الإيرانيون أن العرض الأمريكي يفتقر إلى ضمانات حقيقية لرفع العقوبات، ولا يختلف جوهريا عن السياسات التي انتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين انسحب من الاتفاق السابق وفعل حملة الضغط الأقصى التي خنقت الاقتصاد الإيراني. ومع تقييم رسمي من لجنة المفاوضات الإيرانية  تحت إشراف المرشد الأعلى علي خامنئي  بأن المقترح غير قابل للتنفيذ، يتجه الرد المنتظر لأن يكون سلبيًا، ما يفتح الباب أمام سلسلة سيناريوهات قاتمة.

في هذا المناخ المتوتر، تتباين حسابات المستقبل بين واشنطن وطهران. ترامب الذي عاد إلى البيت الأبيض، مصر على عدم تكرار ما يعتبره خطأ الاتفاق النووي لعام 2015 ويشترط التزامات صارمة من طهران تقيد قدراتها النووية إلى حد كبير. بينما يرى الإيرانيون، في المقابل، أن القبول بمثل هذه الشروط يعادل تفريطًا في السيادة وتنازلًا مجاني لا تقابله مكاسب اقتصادية واضحة أو سياسية مضمونة.

ورغم أن إيران تعلن أنها لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، إلا أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة وإسرائيل، لا يثقون في تلك التصريحات، ويرون أن استمرار التخصيب بنسبة مرتفعة يمثل طريقًا مفتوحا نحو القنبلة النووية. لذلك، تتمسك واشنطن بمطلب وقف تخصيب اليورانيوم كشرط أولي، بينما ترد طهران بأنها مستعدة للقبول بقيود جزئية فقط، مقابل اعتراف دولي بحقها في التخصيب السلمي وضمانات بعدم الانسحاب الأميركي مستقبلا من أي اتفاق يتم توقيعه.

من جهة أخرى، لا تبدو إسرائيل بعيدة عن المعادلة. بل هي في قلبها، باعتبارها الطرف الأكثر توجسًا من البرنامج النووي الإيراني، حيث تعتبره تهديدا وجوديًا. لكن المفارقة أن عباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين، استبعد خلال مؤتمر صحفي في القاهرة أن تقدم إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لإيران، معتبرًا أن تل أبيب تدرك عواقب هذا الخطأ الكبير. ومع ذلك، لا يمكن فصل تشدد إيران الحالي عن التهديدات الإسرائيلية المتكررة وعودة الحديث عن سيناريوهات عسكرية.

وفي حين تراهن واشنطن على ضغط العقوبات لدفع طهران إلى طاولة التفاوض، تواجه إيران استنزاف داخلي يتصاعد بسبب تلك العقوبات التي أصابت قطاع النفط والبنوك الحيوية بالشلل. كما أن النفوذ الإيراني في المنطقة بدأ يتراجع إثر الانتكاسات التي لحقت حلفائها في لبنان واليمن وسوريا. هذا الواقع الجديد قد يدفع صانعي القرار في طهران إلى إعادة حساباتهم، خاصة مع تلميحات داخلية بأن استمرار الجمود قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي داخلي

المعضلة اليوم لا تكمن فقط في مضمون الاتفاق، بل في غياب الثقة المتبادلة. إيران تطالب بضمانات أمريكية مكتوبة بألا يتكرر سيناريو الانسحاب، بينما ترفض واشنطن تقديم مثل هذه الالتزامات في ظل تقلبات السياسة الداخلية الأمريكية. وبين هذا وذاك، يبقى الاحتمال قائما بأن يضيع الطرفان فرصة نادرة كان من الممكن أن تجنب المنطقة تصعيدا مدمرا.

وفي حين يحذر البعض من أن طهران توشك أن تهدر فرصتها الأخيرة، ترى أطراف أخرى أن الضغوط الأمريكية قد تثمر مع الوقت عن مرونة مفاجئة، خصوصًا إذا اقترنت بعروض ملموسة لتحرير الأموال الإيرانية المجمدة وتخفيف جزئي للعقوبات الاقتصادية. لكن حتى يتحقق ذلك، ستظل عقارب الساعة النووية تتحرك نحو منطقة الخطر، ومعها ترتفع وتيرة القلق من أن تكون إيران بالفعل في طريقها لإهدار فرصة لن تتكرر بسهولة.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5520

موضوعات ذات صلة

حركة رجال الكرامة وتظاهرالاول ضد حكومة الشرع

المحرر

الجنائية الدولية تضع ليبيا أمام اختبار جديد

المحرر

حزب الله في مواجهة العقوبات الداخلية

المحرر

البرلمان يوافق على قانون الضمان الاجتماعي

المحرر

خروقات وانتهاكات الانتخابات البرلمانية.. من يقف وراءها؟

محمود كرم

السوداني يحيل وزراء للقضاء ويتحدى خصومه

المحرر