شؤون سياسية

إيران : مصداقية الاندماج و التعايش السلمي بين الواقع والخيال

عندما يطرح الحديث عن إيران كدولة تسعى للاندماج السلمي مع جيرانها والعالم، يبدو أن المشهد يتأرجح بين الطموحات المعلنة والواقع الذي يشير إلى سياسات مختلفة تمامًا. يثير هذا النقاش مجددا مع التغيرات الدولية المتلاحقة، خصوصًا مع عودة دونالد ترامب إلى ساحة السياسة الأمريكية، وهو المعروف بتشدده تجاه النظام الإيراني خلال رئاسته الأولى. لكن يبقى السؤال: هل يمكن لإيران أن تخرج من عباءة التشدد وتقدم نموذجا حقيقيا للتعايش السلمي

الإشارات المزدوجة للنظام الإيراني منذ إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، شهدت السياسة الإيرانية تحولا طفيفا في الخطاب الموجه إلى العالم الخارجي. يظهر هذا التحول من خلال تصريحات تصالحية وزيارات دبلوماسية مكثفة لمسؤولين إيرانيين إلى دول إقليمية وغربية. الهدف الظاهر هو إرسال رسائل طمأنة إلى المجتمع الدولي بأن إيران تسعى إلى خفض التصعيد. ولكن هل هذه الخطوات تعكس نوايا حقيقية أم أنها مجرد استراتيجيات لتجاوز الضغط الدولي المتوقع خلال السنوات المقبلة

المستشار يونس السبكي، الخبير الأمني والاستراتيجي، يوضح أن هذه التحركات تأتي في سياق محاولات النظام لكسب الوقت وتخفيف حدة العقوبات. يقول السبكي النظام الإيراني يعتمد بشكل رئيسي على سياسات مرنة وقت الأزمات، لكن هذه المرونة لا تمس جوهر النهج السياسي الأمني الذي يقوم عليه النظام، خصوصًا دعمه الوكلاء الإقليمين مثل حزب الله والحوثيين

الضغط الداخلي والخارجي على الصعيد الداخلي، تواجه إيران وضعا اقتصاديا خانقًا يهدد استقرار النظام. تراجع قيمة العملة الإيرانية وارتفاع معدلات البطالة والتضخم يشكل ضغطا كبيرًا على الحكومة، خاصة مع تزايد استياء الشعب من تخصيص موارد ضخمة لدعم الحلفاء الإقليمين على حساب الاقتصاد المحلي.

التيار الاصلاحي

بينما يرى طارق الهواري، المحلل السياسي يرى أن هذا الوضع قد يدفع النظام إلى تقديم تنازلات تكتيكية دون تغيير استراتيجي حقيقي. يوضح الهواري: النظام الإيراني يدرك أن أي تغيير جذري في سياساته الإقليمية قد يهدد شرعيته داخليا، لكنه في الوقت نفسه يسعى إلى تهدئة الأجواء الدولية لتجنب أي صدام مباشر مع إدارة أمريكية عدائية

الإصلاحيون وهم أم واقع وجود رئيس محسوب على التيار الاصلاحي ع كان دائمًا ينظر إليه إشارة إلى إمكانية التغيير، لكن هذا التصور غالبا ما يقابل بخيبة أمل. الإصلاحيون في إيران لا يمتلكون القدرة على اتخاذ قرارات كبرى تتعلق بالسياسة الخارجية أو العلاقات الدولية، فهذه الملفات تظل بيد المرشد الأعلى والمؤسسات الأمنية.

يتساءل الهواري أي رئيس إصلاحي هذا الذي لا يجرؤ على طرح برنامج إصلاحي حقيقي؟ النظام بأكمله يخضع لهيمنة التيار المحافظ الذي لا يرى في التعايش السلمي سوى تهديد لوجوده

دعم الوكلاء الإقليمين

إحدى القضايا الرئيسية التي تضعف مصداقية إيران في الدعوة للاندماج الإقليمي هي استمرار دعمها الوكلاء الإقليمين. رغم الانتقادات الداخلية لهذه السياسة، يظل النظام متمسكا بها، معتبرًا أنها جزء لا يتجزأ من استراتيجيته للبقاء.

المستشار السبكي يشير إلى أن هذا الدعم ليس مجرد قرار سياسي بل هو جزء من العقيدة الأمنية للنظام الإيراني. يقول: “إيران ترى في وكلائها أذرعًا استراتيجية تضمن لها النفوذ في المنطقة. التخلي عنهم يعني خسارة كبيرة في ميزان القوى الإقليمي، وهو أمر لا يمكن للنظام قبوله

أما طارق الهواري فيرى أن الحل الوحيد لدمج إيران في المجتمع الدولي هو من خلال تحول داخلي يقوده الشعب الإيراني نفسه. يقول أي تغيير حقيقي يجب أن يأتي من الداخل، عبر ضغط شعبي متواصل يفرض على النظام مراجعة سياساته والتخلي عن عقيدته التوسعية

 يبقى السؤال معلقا: هل يمكن لإيران أن تتبنى نهجا جديدا يعيد بناء جسور الثقة مع جيرانها والعالم؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب أفعالا، وليست مجرد كلمات

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5632

موضوعات ذات صلة

جنون الحرب .. الانتحار والقتل نهايات متباينة

المحرر

لوس أنجلوس تشتعل.. والمتظاهرون في مواجهة الحرس الوطني

المحرر

هل تنجح واشنطن في كثر جمود الحرب السودان

المحرر

الدب الروسي في قلب أمريكا… قمة تكشف حدود القوة

المحرر

ايران تخرب والعرب يعمرون

المحرر

مجلس الأمن يشتعل وطهران تبحث عن أوراق ضغط

المحرر