“أنا أتنفس حرية ..حان الآن موعد الخروج عن الصمت” هكذا كتبت ريم الصابوني عن 38 عامًا عاشتها تحت حكم نظام الأسد المستبد، داعية أبناء وطنها للخروج من شرنقة الخوف والكبت وتكميم الأفواه.
بعد اندلاع ثورة الياسمين في ربوع سوريا، عملت ريم الصابوني على تدريب الأمهات والأطفال على فلسفة السلام النفسي واكتساب الخبرات في ظل الأزمات والطواريء، واستكملت مسيرتها من القاهرة بعد مغادرتها دمشق، فهي ترى أن السلام عمل مكتسب يجب تعليمه للأطفال خاصة وأن عالمنا يحيطهم بموجات العنف والإرهاب وتصفية الآخر.
وقد حملت الأيام الماضية موجات فرح لدى قطاعات واسعة من السوريين برحيل بشار الأسد وخروج آلاف المعتقلين من السجون، وإن عمت النفوس غصّة أوضاعهم المؤلمة والتي تنبيء عن إيذاء بدني ونفسي شديدين، وعن ذلك أكدت ريم الصابوني أنها مستمرة في نشر ثقافة السلام ودعم جلسات الكوتشينج للمعلمين والمؤسسات المعنية في سوريا الحرة الجديدة لتدارك ما فات في الأيام الماضية عبر من وصفتهم بـ”عصابة الأسد الوحشية” والتي فرضت سياستها الإرهابية على الشعب، وهو جزء من محاولتها استكمال مسيرة التحرير التي بدأها الشعب السوري في الربيع العربي.
اقرأ أيضا: خالد خليفة روى أحوال الموت السوري والخراب الشامل
البوح .. كناجٍ لا ضحية
سألناها عن كيفية عبور التجربة النفسية المؤلمة للسوريين، ورأت “الصابوني” أن الحياة تحت القمع والصراع قد تركت جروحًا عميقة في النفوس، خاصة لدى النساء والأطفال الذين تحملوا أعباء مضاعفة. لهذا فتجاوز تلك التجربة يبدأ بالاعتراف بحجم الألم ومواجهة المشاعر بدلًا من قمعها. وهذا يتطلب برامج دعم نفسي جماعية وفردية تتيح مساحة للبوح والاستماع، مع التركيز على بناء المهارات النفسية مثل تعزيز المرونة النفسية (Resilience) وتعلم كيفية إدارة التوتر والخروج من دور الضحية إلى دور الفاعل.
ولبناء برامج فعالة، علينا التركيز على أربعة مرتكزات وهي: التعليم والتمكين؛ تمكين النساء والشباب من خلال التعليم والتدريب المهني ليصبحوا جزءًا منتجًا في المجتمع. وثانيا: إعادة بناء الثقة الاجتماعية؛ بعقد ورش عمل وجلسات مجتمعية تعيد ربط السوريين بعضهم ببعض، بعيدًا عن الاستقطاب. وثالثًا: دعم الصحة النفسية؛ بتوفير مراكز دعم نفسي واجتماعي مع فريق متخصص. أخيرا: إحياء الهوية الوطنية المشتركة؛ من خلال العمل على مشاريع ثقافية وفنية توحد السوريين وتعيد إليهم شعور الانتماء لسوريا الحرة.
بين الفرح والحذر
بسؤالها عن الانتقال من ذهنية الضحية إلى الناجي، أكدت مؤلفة كتاب “أمومة واعية” أن السوريين عليهم أن يدركوا أن نجاتهم ليست فقط جسدية بل أيضًا نفسية واجتماعية. الناجي هو من يتجاوز الألم ويستثمره ليعيد البناء. تعزيز هذا التحول يتطلب خطابًا عامًا يركز على الأمل والعمل بدلًا من الحزن واليأس.
وتتعامل ريم الصابوني بحساسية مع حالة الفرح والحذر إزاء التغيير في سوريا؛ فالفرح حق مشروع، لكنه مشوب بحذر نابع من وعي عميق بتحديات ما بعد الحرية. التحرر من القمع بداية الطريق، وليس نهايته. إن التوازن بين الفرح والحذر يعكس نضجًا لدى السوريين؛ فهم يحتفلون بالحرية، لكنهم يدركون أيضًا أن العمل على بناء سوريا الجديدة يحتاج إلى جهود كبيرة وتضحيات مستمرة.
