
في لحظة فارقة تشهدها الدبلوماسية سجلت القاهرة إنجازاً نوعياً جديداً يضاف إلى سجلها الحافل بالنجاحات على الساحة الدولية، حيث لم يكن انتخاب الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، رئيساً لـ”اللجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية والرياضة” (CIGEPS) التابعة لمنظمة اليونسكو في باريس، مجرد خبر عابر، بل هو رسالة واضحة تؤكد الثقة الدولية المتنامية في قدرة مصر على قيادة الملفات العالمية، وشهادة على حكمة القيادة السياسية ورؤيتها الثاقبة.
يجب أن ندرك حجم وأهمية المنصب الذي حصدته مصر بالإجماع، فلجنة الـ (CIGEPS) ليست مجرد لجنة استشارية، بل هي الهيكل التنظيمي الأرفع في عالم السياسة الرياضية الأممية، إذ إنها المكان الذي تُصاغ فيه الاستراتيجيات العالمية للتربية البدنية، وتُحدد فيه المعايير الدولية لضمان العدالة والشمول في ممارسة الرياضة.
عندما تفوز مصر برئاسة هذا الكيان، فهذا يعني أن “المايسترو المصري” هو من سيقود الأوركسترا العالمية في هذا المجال، فمصر لم تعد مجرد مشارك أو مراقب، بل هي الآن صانع القرار وموجه السياسات.
رؤية استراتيجية
هذا الإنجاز لم يأتِ من فراغ أو بضربة حظ، بل قد جاء نتاج عمل دؤوب وتخطيط استراتيجي محكم، كان أساسه الدعم اللامحدود والتوجيهات المستمرة من القيادة السياسية العليا، ممثلة في الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث عملت الدبلوماسية المصرية، بالتنسيق الكامل بين وزارة الشباب والرياضة ورجال الخارجية المصرية الأكفاء، ليل نهار، لإقناع المجتمع الدولي بأحقية مصر وقدرتها على تحمل هذه المسؤولية الجسيمة، إذ إن الفوز بالإجماع هو تتويج لهذا الجهد الدبلوماسي المُكثف، ويعكس قناعة الدول الأعضاء بالرؤية المصرية الشاملة التي قدمها الوزير أشرف صبحي.
أجندة عمل
الدكتور أشرف صبحي لم يكتفِ بالاحتفال بالفوز، بل بادر فوراً بوضع ملامح خطة عمل واضحة للمرحلة المقبلة، وقد ارتكزت هذه الخطة على محاور أساسية تخدم الأهداف العالمية، حيث قد جاء أهمها: تأمين التمويل الدولي من خلال البحث عن آليات جديدة لتمويل المبادرات الرياضية حول العالم، دعم الدول النامية عن طريق التركيز على نقل الخبرات والموارد للدول الأقل حظاً في القارة الأفريقية وخارجها، بالإضافة إلى تطبيق مبادىء الشمول والمساواة، حيث التأكيد على حق الجميع في ممارسة الرياضة، لا سيما أصحاب الهمم، وضمان فرص متساوية للجميع.

إن ما نعيشه اليوم هي لحظات فخر مستحقة، فمصر تثبت يوماً بعد يوم قدرتها على استعادة مكانتها الريادية على الساحتين الإقليمية والدولية، إذ إن هذا الإنجاز هو شهادة على أن الرياضة في مصر لم تعد مجرد هواية أو ترفيه، بل أصبحت أداة فعالة من أدوات القوة الناعمة والدبلوماسية التي تخدم المصالح العليا للوطن.
البعد الأفريقي
يجب قراءة هذا الفوز في سياقه الإقليمي والدولي، فمصر، كقلب للقارة الأفريقية، تحمل على عاتقها تمثيل طموحات وتحديات القارة السمراء في المحافل الدولية، حيث إن رئاسة الـCIGEPS تمنح مصر ثقلاً إضافياً لضمان أن القضايا الأفريقية المتعلقة بالتربية البدنية والرياضة تحظى بالأولوية والاهتمام الكافي على طاولة اليونسكو، إذ إن هذا الدور الريادي يعزز من مكانة مصر كشريك موثوق ومدافع قوي عن مصالح القارة بأسرها أمام المجتمع الدولي.
الرياضة كأداة للتنمية
اللجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية والرياضة باليونسكو هي الذراع التنفيذي الذي يربط بين الرياضة وأهداف التنمية المستدامة (SDGs) للأمم المتحدة، فقيادة مصر لهذا الكيان، يجعلها في طليعة الدول التي تستغل قوة الرياضة كأداة فعالة لتحقيق السلام، وتعزيز الاندماج الاجتماعي، ومكافحة التطرف، وبناء مجتمعات أكثر صحة ومرونة، إذ إنه استثمار في البشر قبل الحجر. وعلى الرغم من ذلك؛ لا تخلو المرحلة القادمة من تحديات جسيمة؛ فقيادة دفة السياسات العالمية تتطلب توازناً دقيقاً بين مصالح الدول المتقدمة والنامية، والتعامل مع قضايا معقدة مثل الحوكمة، ومكافحة المنشطات، وضمان النزاهة في الرياضة، حيث يقع على عاتق الوزير المصري عبء ترجمة الرؤى المصرية الطموحة إلى مبادرات دولية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وهو تحدٍ يتطلب حنكة إدارية ودبلوماسية كبيرة أثبتت مصر امتلاكها لها مراراً وتكراراً.
ومن المؤكد أن هذا النجاح الدولي الكبير سينعكس إيجاباً على المشهد الرياضي الداخلي في مصر، حيث إن الثقة الدولية تعني شراكات أقوى، وفرص تمويل أكبر للمشاريع المحلية، وتبادل خبرات عالمية المستوى، فرئاسة مصر للجنة ستفتح الباب لبرامج تطويرية جديدة يستفيد منها الشباب والرياضيون المصريون بشكل مباشر، مما يعزز من البنية التحتية الرياضية المصرية ويسرع من وتيرة الإنجازات المحلية والقارية.
إن هذا الفوز التاريخي يؤكد أن مصر تسير بخطى ثابتة ومدروسة نحو استعادة مكانتها اللائقة إقليمياً ودولياً، حيث إنه يُعتبر تتويجاً لجهود دولة بأكملها آمنت بقدراتها وقدرات أبنائها.
