شؤون سياسية

انسحاب سوريا من باريس يربك جهود التسوية

يعد قرار دمشق إلغاء مشاركتها فى مفاوضات باريس مع قوات سوريا الديمقراطية لم يكن مجرد خطوة بروتوكولية أو رد فعل لحظى، بل هو مؤشر على أن خطوط التماس السياسية باتت أكثر حدة، وأن المشهد السورى يتجه نحو مرحلة جديدة من الشد والجذب، حيث تتقاطع فيه الحسابات المحلية مع الضغوط الإقليمية والدولية.

كما بررت الحكومة السورية  انسحابها بأن مؤتمر الحسكة الذى نظمته قسد يمثل محاولة تدويل الشأن السورى واستجلاب التدخلات الأجنبية، بل وإعادة فرض العقوبات على البلاد. في المؤتمر، الذى حمل عنوان وحدة الموقف لمكونات شمال شرقى سوريا، لم يكن مجرد لقاء محلى، بل منصة لطرح فكرة إنشاء دولة لا مركزية ودستور يكرس التعددية العرقية والدينية، بحضور شخصيات سياسية ودينية بارزة من مختلف الأقليات السورية.

هذه الطروحات، من وجهة نظر دمشق، تتجاوز حدود النقاش الداخلى إلى رسم ملامح كيان مواز، وهو ما يراه المستشار القانونى سمير عليوة تهديداً مباشراً لمبدأ السيادة. ويوضح عليوة أن “أى اتفاق أو مشروع سياسى يخص شكل الدولة أو نظامها الدستورى يجب أن يصدر عن إرادة شعبية جامعة عبر استفتاء عام، لا من خلال تفاهمات فئوية أو ضغوط دولية. فالقانون الدولى لا يعترف بشرعية كيانات تنشأ خارج الإطار الوطنى

فى الوقت نفسه، يرى محمد مصطفى، أستاذ العلوم السياسية، أن انسحاب دمشق من مفاوضات باريس هو ورقة ضغط متعمدة، تحمل رسالة مزدوجة. الأولى موجهة إلى قسد بأن أى حوار معها يجب أن يتم على أرضية الدولة السورية فى دمشق، والثانية إلى القوى الدولية بأن الحل السورى ينبغى أن يصاغ محلياً. لكنه يحذر من أن التصعيد المتبادل قد يعمق عزلة الأطراف ويغلق نوافذ الحل السياسى، خاصة مع انخراط قوى مثل تركيا والولايات المتحدة وفرنسا فى هندسة المشهد.

ضغوط تركية

المشهد يزداد تعقيداً مع الكشف عن ضغوط تركية مورست على الحكومة السورية لإلغاء اجتماع باريس، وهو ما أكده تقرير المونترو الذى أشار إلى أن زيارة وزير الخارجية التركى هاكان فيدان لدمشق مؤخراً كانت بهدف إقناعها بالانسحاب. هذا التدخل، بحسب مصطفى، يعكس سباق النفوذ فى شمال شرقى سوريا، حيث تحاول أنقرة تثبيت نفوذها عبر تقليص أى فرص لمنح الأكراد مساحة تفاوضية مستقلة.

الاتفاق السابق بين دمشق وقسد الموقّع فى مارس الماضى، والذى نص على وقف إطلاق النار ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية ضمن هيكل الدولة، يبدو الآن على المحك. الخلاف الجوهرى يتركز حول شكل اندماج القوات، بين مطلب قسد بالاندماج ككتلة عسكرية واحدة داخل وزارة الدفاع، وإصرار دمشق على الاندماج الفردى الذى يضمن تفكيك البنية العسكرية المستقلة.

من الناحية السياسية، يتوقع على المدى القريب أن يفتح إلغاء مفاوضات باريس الباب أمام جولات جديدة من الضغوط الدبلوماسية، وربما إعادة صياغة خارطة التحالفات. أما على المدى المتوسط، فقد يضع هذا التصعيد القوى الإقليمية أمام خيارين: إما الدفع نحو تسوية واقعية تعيد اللحمة السياسية، أو الانزلاق إلى مزيد من التجاذبات التى تبقى المنطقة رهينة التوتر.

مؤشرات تظهر أن مؤتمر الحسكة لم يكن مجرد مناسبة سياسية محلية، بل نقطة انعطاف فى مسار الأزمة السورية. فبين تمسك دمشق بدولة مركزية موحدة، وسعى قسد إلى نموذج لا مركزى بدعم دولى، تظل المسافة بين الرؤيتين واسعة. وما لم يتمكن الوسطاء من تضييق هذه الفجوة، فإن أى حديث عن تسوية شاملة سيظل مؤجلاً، فيما تستمر سوريا كساحة مفتوحة لصراع النفوذ الإقليمى والدولى

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5466

موضوعات ذات صلة

لا تهجير ولا عطش.. مصر تتصدى بقوة

المحرر

الجنائية الدولية تضع ليبيا أمام اختبار جديد

المحرر

ترامب .. رؤية سلام ووعود للعودة إلى الطريق الصحيح

المحرر

خروقات وانتهاكات الانتخابات البرلمانية.. من يقف وراءها؟

محمود كرم

الضغط التركى وتعقيد الموقف للوساطة العراقية

المحرر

دمشق تجند من كانو خصوما بالامس

المحرر