شؤون سياسية

جثة السنوار تشعل غزة من جديد

في وقت يتداخل فيه الغموض مع مشهد التفكك الداخلي في قطاع غزة، لم يكن إعلان الجيش الإسرائيلي عن انتشال جثة القيادي البارز في حركة حماس، محمد السنوار، من نفق أسفل المستشفى الأوروبي في خان يونس مجرد تطور ميداني عادي، بل تحول إلى نقطة تحول سياسية وأمنية تقرأ من زوايا مختلفة داخل أروقة التحليل الاستراتيجي. السنوار، شقيق القائد العام لكتائب القسام يحيى السنوار، كان يُنظر إليه باعتباره أحد أعمدة القيادة الميدانية في جنوب القطاع، وسقوطه يمثل أكثر من مجرد فقدان لقائد، بل هزة داخلية في بنية التنظيم نفسه.

ما يضاعف أهمية الحدث هو تزامنه مع ظهور ميليشيا جديدة تطلق على نفسها اسم القوات الشعبية، أعلنت بشكل غير مباشر أنها لا تعادي إسرائيل، بل تسعى  كما قالت  إلى إنقاذ سكان غزة من الجوع والعنف الذي فاقمته حماس. هذه الرسالة، رغم أنها تروج بأدوات شعبوية، فإن مضمونها عسكري  سياسي أكثر مما هو إنساني، ما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل السيطرة الفعلية في القطاع، ومن يقود زمام الميدان بعد الانهاك الكبير الذي تعرضت له البنية المسلحة لحماس.

المشهد لا يقرأ فقط في إطار عمليات عسكرية تتبعها بيانات اعتراف بالجثث أو عرض لصور أنفاق، بل بات اليوم مرآة الانقسامات داخلية متنامية في غزة، بدأت تظهر إلى العلن من خلال تشكيلات مسلحة جديدة ذات أجندات مختلفة. وهو ما يراه اللواء يونس السبكي، الخبير الاستراتيجي، دليلاً واضحاً على أن “إسرائيل لا تقاتل حماس وحدها على الأرض، بل تراهن على تفكيك النسيج الداخلي للفصائل عبر الدفع بقوى بديلة ترفع شعارات إنقاذ المدنيين، بينما هي عملياً تشكل أذرعاً موازية تستخدم كورقة ضغط من الداخل.

ويضيف السبكي أن الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة لا يكتفي بالضربات الجوية أو المداهمات الميدانية، بل يسعى لإعادة تشكيل خريطة القوى داخل غزة بما يخدم هدفه الأكبر، وهو تجريد حماس من أي غطاء شعبي، حتى وإن تطلب ذلك التعاون مع ميليشيات تعمل تحت لافتة محاربة التطرف أو الجوع، لكنها فعلياً تمهد تدويل الأزمة الداخلية.

في المقابل، ترى المحللة السياسية مها الشريف، نائب رئيس حزب الغد، أن ما يحدث حالياً يمهد لمرحلة انتقالية معقدة في غزة، قد تعيد رسم العلاقة بين السلطة الفلسطينية وسكان القطاع، وربما تعيد النقاش حول من يملك الشرعية في تمثيل الشعب الفلسطيني هناك. وتقول: “ظهور ميليشيات بهذا الشكل، وبدعم إسرائيلي ضمني، يعتبر إشارة خطيرة على أن هناك خطة لإضعاف الحاضنة الشعبية لحماس، واستبدالها بقوة موازية قد تتطور لاحقاً إلى كيان سياسي مؤقت أو مجلس انتقالي.

وتضيف الشريف: العثور على جثة السنوار بهذه الطريقة، وفي موقع مدني حساس كالمستشفى الأوروبي، يُعد رسالة رمزية لإدانة حماس أمام الرأي العام الدولي، واتهامها باستخدام المنشآت المدنية لأغراض عسكرية، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل دبلوماسياً في المحافل الدولية.

المكان الذي وجدت فيه الجثة يحمل دلالة ثقيلة. مستشفى أوروبي يفترض أن يكون ملاذاً للجرحى والمصابين، يتحول إلى غرفة قيادة لحماس، بحسب الرواية الإسرائيلية، ما يفتح الباب أمام مزيد من الضغوط على المؤسسات الصحية العاملة في القطاع ويزيد من عزل غزة عن العالم الخارجي. كما أن مشهد الجثة المسحوبة من عمق النفق، ورائحة التعفن والديدان التي وصفها مصور وكالة الأنباء الألمانية، لا تقتصر دلالاتها على الأبعاد الميدانية، بل تستخدم بصرياً ووجدانياً في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي لتجريم حماس وتصويرها كتنظيم يعيش تحت الأرض حرفياً ومعنوياً.

لكن، في ظل هذا التحول الخطير، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل القطاع: هل ستتمكن هذه الميليشيات الجديدة من فرض واقع جديد؟ وهل يشكل اختفاء قيادات حماس الميدانية فرصة لإعادة التفكير في شكل المقاومة؟ أم أن ما يحدث هو مجرد إعادة إنتاج للفوضى أمنية مرشحة لمزيد من التدويل والتدخل الخارجي في كل الأحوال، يبدو أن غزة دخلت بالفعل مرحلة ما بعد السنوار، وأن رقعة الشطرنج السياسية في القطاع ستشهد تحركات جديدة، عنوانها الأبرز ليس التحرير أو السلام، بل إعادة توزيع السيطرة

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5496

موضوعات ذات صلة

لماذا تحرق قوات الدعم السريع جثث الموتى؟

محمود كرم

تحذير سعودي ناري لإيران قبل الانفجار

المحرر

دمشق وقسد على صفيح ساخن

المحرر

حزب الله يغازل السعودية بالحوار

المحرر

البرلمان يوافق على قانون الضمان الاجتماعي

المحرر

تدشين حزب الجبهة الوطنية رسميا

المحرر