تعيش سوريا اليوم واحدة من أعقد المراحل في تاريخها الحديث، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية مع طموحات الفصائل المحلية، لتصبح البلاد ساحة صراع مفتوح على جميع السيناريوهات. هذه السيناريوهات، التي تتنوع بين الفوضى والتقسيم، تذكرنا بما حدث في العراق بعد عام 2003. ومع غياب مشروع إنساني شامل يعيد بناء النسيج الاجتماعي السوري، تتزايد المخاوف من مصير مشابه.كامستنقع الطائفية والقومية
اللواء أشرف فوزي، الخبير الأمني، يرى أن الوضع الراهن في سوريا ليس إلا نتيجة مباشرة لتوظيف الخطاب الطائفي والقومي في خدمة أجندات القوى الكبرى. تكرار النموذج العراقي في سوريا ليس مجرد احتمال، بل واقع يلوح في الأفق إذا استمرت القوى المتصارعة في استغلال الفروقات الدينية والقومية لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة المدى،
يقول فوزي.إن المشهد الحالي يتسم باستهلاك مكثف لمفاهيم مثل حقوق الأقليات والمكونات سواء من قبل هيئة تحرير الشام، أو قوات سوريا الديمقراطية قسد أو الجماعات المدعومة من تركيا. هذه الخطابات، التي تبدو في ظاهرها داعمة للتعددية، تخفي وراءها أهدافاً لتثبيت نفوذ الأطراف الإقليمية والدولية على الأرض السورية.
كما يشير إلى إن التدخلات الإقليمية والدولية في سوريا تسهم بشكل كبير في تعقيد الأزمة. تركيا، على سبيل المثال، تسعى لتوسيع نفوذها في شمال سوريا بحجة حماية أمنها القومي، بينما تعتمد إيران على المستنقع الطائفي لتعزيز وجودها العسكري والسياسي في البلاد. في المقابل، تستثمر الولايات المتحدة وروسيا في دعم فصائل معينة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، ما يبقي على حالة الانقسام والتوتر.
كما يؤكد أن الحل يكمن في تشكيل حكومة غير دينية وغير قومية، تُعلي مبدأ المواطنة كأساس للحكم. بدون ذلك، ستبقى سوريا ساحة مفتوحة للفوضى والصراعات.
محاولة لتقسيم البلاد
بينما تعتبر مها الشريف، نائب رئيس حزب الغد أن هذه التدخلات تمثل خطراً وجودياً على سوريا. ما يحدث اليوم هو محاولة لتقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية وعرقية، تماماً كما حدث في العراق، حيث أصبح النموذج الطائفي القومي أداة لتثبيت النفوذ الخارجي على حساب مصلحة الشعوب
تقول الشريف. إن ما وراء الخطابات السياسية: مشاريع الهيمنة فرغم الزيارات الدبلوماسية المتكررة إلى دمشق من مسؤولين غربيين وإقليميين، فإن تصريحاتهم توحي بأن هدفهم الحقيقي ليس حل الأزمة، بل الاستثمار في إعادة الإعمار والحصول على موطئ قدم في المعادلة السياسية المستقبلية.
كما تشير إلى إن تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي دعت إلى خروج القوات الروسية من سوريا، تكشف عن تنافس دولي محموم على تقاسم النفوذ.
واوضحت الشريف أن الغرب الرسمي غير معني بدعم حكومة علمانية وغير طائفية في سوريا. فالولايات المتحدة، التي أسست نظاماً طائفياً في العراق، وتركيا، التي دعمت الإخوان المسلمين والجماعات المتشددة، لا تملك تاريخاً يدعم توجهات ديمقراطية أو علمانية حقيقية في المنطقة.
وأشارت إلى أهمية العمل على إعلان دستور جديد يضمن حقوق الجميع دون تمييز. المساواة بين الرجال والنساء، وفصل الدين عن الدولة، هي الخطوات الأساسية التي يجب أن تتخذها سوريا للخروج من مستنقع الصراعات
وتضيف الشريف. إن الرهان على مشروع إنساني أمام هذه التحديات، يظهر سؤال مهم: هل يمكن لأي من الأطراف المتصارعة اليوم تقديم مشروع إنساني حقيقي يعيد بناء سوريا؟ الإجابة تبدو سلبية في ظل غياب الإرادة السياسية والاعتماد على أجندات خارجية. لكن الأمل لا يزال قائماً في أن تتخذ سوريا خطوات جريئة نحو تبني نموذج علماني غير طائفي وغير قومي. هذه الخطوات، التي تبدأ الإعلان الصريح عن مبدأ المساواة الكاملة وفصل الدين عن الدولة، يمكن أن تشكل بداية حقيقية لإنهاء حالة الانقسام والاضطراب.
اليوم، تقف سوريا على مفترق طرق. إما أن تنزلق إلى دوامة الفوضى والحرب الأهلية، أو تتبنى نموذجاً جديداً يقوم على المواطنة والمساواة. الخيار الأخير ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب إرادة سياسية شجاعة تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.
