ثقافة وأدب

د. خالد أبو الليل: جائزة التفوق تكريم للبسطاء.. ويحذر

تتويجًا لمسيرة علمية وبحثية امتدت لعقود، حصل الدكتور خالد أبو الليل على جائزة الدولة للتفوق في الآداب لعام 2025، وذلك عن مسيرته البارزة في توثيق وتحليل الأدب الشعبي. هو واحد من الأصوات المخلصة التي كرّست جهدها لفهم الوجدان الشعبي المصري.

في هذا الحوار، تسلط “صوت البلد” الضوء على تجربة أبو الليل الإنسانية والعلمية، وتستكشف كيف أثرت تجربته في الأدب الشعبي على رؤيته للحياة، والدوافع التي جعلت من “صوت البسطاء” محور مشروعه العلمي والحياتي، ورؤيته للمستقبل.

كيف استقبلت نبأ الفوز بجائزة الدولة للتفوق؟

 كانت لحظة سعادة غامرة. لقد منّ الله عليَّ من قبل بفوزي بجائزة الدولة التشجيعية، وهذا التكريم يمثل لي سعادة لا تضاهى. لا يوجد شعور يماثل أن يكرمك وطنك، فالتكريم الأكبر هو تقدير بلدي، ورسالته بأن مسيرتي صحيحة وأنني قدمت شيئًا يستحقه الوطن.

ما الذي تمثله لك الجائزة؟

 هذه الجائزة تمثل حافزًا جديدًا لمواصلة العمل، وتُشعرني بأن جهودي لم تذهب سدى. أنا لا أعتبرها تكريمًا لي شخصيًا، بل إنصافًا للأشخاص الذين أعمل عليهم في دراساتي. إنها تكريم لصوت البسطاء والشعب المصري، لأن عملي كله يتركز على دراسة إبداعاتهم، وآمالهم، وأحلامهم، وتطلعاتهم من خلال الأدب الشعبي بمختلف أشكاله. وأهديها لهؤلاء الناس، وتقديرًا لجهودهم وتراثهم. ولجامعتي التي أُدين لها بالفضل، ولأسرتي، وللمؤسسة الموقرة التي رشحتني.

 لماذا اخترت مجال الأدب الشعبي بالتحديد؟

لأنه يضعني على تماس مباشر مع الناس، فأنا أدرس الناس أنفسهم، وهذا أصعب وأكثر أهمية. لا يمكن أن ينجح أي مشروع نهضوي حقيقي دون فهم الشعب. للأسف، نحن دائمًا نتحدث عن الناس، لكننا نادرًا ما نعطيهم الفرصة ليتحدثوا عن أنفسهم. هذا المجال يمنحني هذه الفرصة لأكون “الوسيط” الذي ينقل أفكارهم وتطلعاتهم إلى المسؤولين وصناع القرار. عندما تكون القرارات مبنية على فهم عميق وواقعي للناس، تكون أكثر إقناعًا ونجاحًا.

هذا ما كانت تفعله القوى الاستعمارية قديمًا، حيث كانت ترسل علماء لدراسة الشعوب قبل الغزو العسكري، وذلك لتحقيق سيطرة ثقافية ومعرفية. ودورنا كباحثين هو تقديم رؤية واضحة عن تطلعات الناس ومشكلاتهم، لكي تُبنى المشروعات التنموية مثل “حياة كريمة” و “تكافل وكرامة” على أساس واقعي. فمتطلبات القرى في الصعيد تختلف عن متطلبات القرى في الدلتا.

التاريخ كسردية شعبية

أي مشروع هو الأقرب إلى قلبك؟

منذ بداية مسيرتي، عملت على مشروع جمع الأغاني والمواويل الشعبية من مناطق مختلفة، مثل الواحات والصعيد، ورسالتي للدكتوراه عن السيرة الهلالية، وعملت أيضًا على مشروعين مهمين للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية حول واقع الأدب الشعبي في مصر.

لكن المشروع الأقرب إلى قلبي هو دراسة التاريخ الشعبي المصري في فترة حكم عبد الناصر. هذا المشروع يقدم رؤية الناس للتاريخ، وليس التاريخ الرسمي. فعلى الرغم من وفاة عبد الناصر عام 1970، لا يزال الناس يتحدثون عنه كما لو كان حاضرًا بينهم.

هذا الكتاب، الذي صدر عام 2015، هو سردية شعبية غير منحازة، حيث يقدم أصوات جميع من عاشوا في تلك الفترة، سواء من أحبوا عبد الناصر أو اختلفوا معه. وهو أول كتاب في العالم العربي يتبع هذه المنهجية. فالحكايات الشعبية والقصائد والمراثي التي قيلت عن عبد الناصر كفيلة بأن تجعل منه نواة لسيرة شعبية.

ما الاستفادة من دراسة التاريخ الأدب الشعبي؟

دراسة التاريخ الشعبي مهمة لأنها ترصد استمرارية الحكايات والأغاني التي تعزز التصور الشعبي للأحداث. على سبيل المثال، يروي الأدب الشعبي دور الجيش المصري في ثورة 1952، ودور الشرطة في حادثة الإسماعيلية يوم 25 يناير، والذي أصبح عيد الشرطة. هذه الأحداث موجودة في الذاكرة الشعبية، ويتم سردها بفخر واعتزاز. كذلك، يرصد الأدب الشعبي بطولة الجيش المصري في حرب الاستنزاف، وكيف أصبح الشهيد عبد المنعم رياض بطلًا شعبيًا. ويلقي الضوء على جنود وعساكر لم يتوقف التاريخ الرسمي عندهم.

 

د. خالد ومحررة (صوت البلد)

هل يمكن اعتبار الأدب الشعبي مصدرًا للتأريخ الاجتماعي؟

نعم، في دراسات الأدب الشعبي، أول ما نتعلمه هو ضرورة جمع المادة كما هي، دون أي تدخل. فنحن نجمعها لنعيد بناء التاريخ الاجتماعي من وجهة نظر الناس أنفسهم، بينما يكتب المؤرخون من خلال المرويات المكتوبة. الأدب الشعبي هو تاريخ اجتماعي عميق يربط بين الأدب، والاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس. على سبيل المثال، من خلال بيت شعر شعبي مثل “يا براد اغلي لحالك.. لا سكر ولا شاي جارك.. والله ما ننسى موالك.. حتى لو جاع الواشون”، يمكننا أن نستشف تفاصيل اجتماعية دقيقة لا نجدها في التاريخ الرسمي، مثل نقص السكر في زمن معين. هذه التفاصيل الصغيرة تمنحنا فهمًا أعمق للحياة اليومية للناس، وكيف عاشوا وتفاعلوا مع أحداث تاريخية كبرى.

هل تسببت التكنولوجيا في تراجع الأدب الشعبي؟

الأدب الشعبي يتميز بمرونته وقدرته على التكيف مع التطورات التكنولوجية. التكنولوجيا ليست شيئًا ثابتًا، بل هي سلسلة من التقنيات المتجددة. عندما ظهر التلفزيون والراديو، كانا يمثلان نقلة نوعية، ثم جاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والآن الذكاء الاصطناعي. كل مرحلة لها تأثيرها الخاص.

عندما بدأ التلفزيون قام القائمون عليه بـ “شعبنته” من خلال استضافة الرواة الشعبيين والسيرة الشعبية. والأغنية الشعبية تحولت إلى فيديو كليب، والنكتة أصبحت “كوميكس”. هذا تحول في الشكل.

مواجهة الخطر الحقيقي

ماذا عن المخاطر التي تواجه الأدب الشعبي في الوقت الحالي؟

لا أقول إن الأدب الشعبي في مأمن تام. الخطر اليوم يكمن في الذكاء الاصطناعي، الذي يمكن أن يكون أداة للبناء أو للهدم. هذه الأداة قد تُغذَّى بمعلومات مغلوطة من مصادر خارجية تهدف إلى هدم رموزنا وتاريخنا. نحن فقدنا الرقابة الأسرية التقليدية التي كانت تحمي المجتمع، وأصبحنا أكثر انفتاحًا على ثقافات مختلفة ، لذلك، يجب علينا أن نكون واعين لهذه المخاطر وأن نغذي الذكاء الاصطناعي بمروياتنا الصحيحة وبتاريخنا الموثق. عندما تُقتل الرموز التاريخية والدينية والسياسية، يصبح الإنسان بلا تاريخ. يجب أن نتمسك برموزنا مثل صلاح الدين الأيوبي وسعد زغلول وجمال عبد الناصر.

والمجتمع المصري، رغم تنوعه، يتوحد دائمًا في مواجهة الأخطار الخارجية. الثقافة الشعبية تقف كحائط صد أمام أي محاولات لهدم هويتنا. مثال على ذلك فانوس رمضان؛ بعدما كاد يختفي، عاد بقوة لأن الشعب استشعر الخطر، وقام بصناعته محليًا، وأصبح يزين به الشوارع والمنازل. وهذا يدل على أن الموروث الشعبي حي ومرن وقادر على التكيف.

الرهان على الشعب

كيف نجذب الأجيال الجديدة للأدب والتراث الشعبي؟

يجب أن نقدم لهم التراث الشعبي بلغة العصر. يجب أن نقدم الحكايات والأغاني والأمثال بطريقة تناسبهم. أنا أراهن دائمًا على الشعب نفسه، وخاصة الشباب الذين ينشرون تراثنا تحت عنوان “مصر زمان” على صفحات التواصل الاجتماعي. هذا الحنين للماضي هو عنصر قوة يجب استغلاله. يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون أداة قوية لنشر تراثنا إذا وظفناها بالشكل الصحيح.

هل لديك مشاريع جديدة؟

أعمل على مشروع توثيقي لجمع مادة علمية، منذ أكثر من 15 عامًا. لقد واجهتني بعض التحديات، ولكني آمل أن أتمكن من إنجازه في المستقبل القريب.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=1531

موضوعات ذات صلة

يوسا يعيد اكتشاف الاسباني غالدوس شبيه بلزاك وديكنز

المحرر

رحلة فلسفية بين الحلم واليقظة في تميمة العاشقات

المحرر

الملك لير يصارع أقداره من جديد على خشبة المسرح

المحرر

محمد نبيل: الواقع فرض رقمنة الكتاب على صناعة النشر

المحرر

“فارس يكشف المستور”.. مواجهة تدمير الشرق وجهًا لوجه

المحرر

طقوس وأسرار محترفات القراءة في معرض القاهرة للكتاب

المحرر