سليدر

د. محمد عيسوي: هكذا أصبحت العربية لغة خالدة

قديمًا قال حكيم الشعراء زهير بن أبي سلمى: “لسان الفتى نصفُ فؤاده.. فلم يبق إلا صورة اللحم والدم”، وظلت أبياته تردد في الآفاق لأمة ارتبطت معجزتها القرآنية الخالدة باللغة العربية، بها نزل الرُّوحُ الأَمِينُ على قلب النبي الخاتم.. وبهذا أصبحت اللغة عنوانا لهويتنا أمام الآخر، ومادة تعبيرنا ولسان بلاغتنا، مشكاة أيامنا الماضية والحاضرة، كما أنها الجسر الذي نتواصل به مع شعوب الأرض.

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، نلتقي د.محمد عيسوي، أستاذ اللغة والدراسات الإسلامية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وأحد الذين عاصروا في شبابهم قامات العربية الكبار ومنهم سهير القلماوي وطه حسين وعبد العزيز الأهواني، كما شارك بتحرير مواد “المعجم الكبير” لدى مجمع اللغة العربية، إلى جانب إبحاره في جمع تفاسير الصحابة والتابعين الكرام للقرآن الكريم.

بحكم دراستكم.. كيف أثرت تفاسير القرآن لغة الضاد وتأثّرت بها؟

كان من دأب قسم اللغة العربية في كلية الآداب منذ نشأتها أن تخصص قسمًا فرعيا للدراسات الإسلامية، إلى جانب الأدب واللغة العربية، وذلك لأن أي لغة لا يمكن أن تحيا بغير تراثها، وقد شاء الله أن تكون أطروحتي للماجستير من جامعة القاهرة حول تفسير القرآن للصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وتم نشره مبكرا في مؤسسة الملك فيصل.

بعدها جاءت رسالتي للدكتوراه حول أحد أوائل تفاسير التابعين التي كتبها أصحابها وهو تفسير السديّ الكبير، وهو من العلماء التابعين وقد أخذ عنه الطبري وابن كثير ومشاهير التفسير لاحقا، ونعلم أن القرآن يفسر بعضه بعضا، كما تفسره السنة النبوية، لكن مع اختلاط العرب بأجناسٍ أخرى في زمن الفتوحات الإسلامية، كان هناك خوفٌ على لغة القرآن ومن هنا بدأت عملية تدوين القرآن ثم السنة النبوية ثم بدأ علم التفسير القرآني لما استغلق على أفهام الأجيال العربية الجديدة، وظهرت مدارسه في حواضر العلم الشرعي بمكة والمدينة والعراق وغيرها.

لقد جاء القرآن ليتحدى بلاغة العرب بإعجاز سماوي، وقد تعهد الله بحفظ القرآن وبالتالي لغته الخالدة، وكان الصحابة الكبار ومنهم عمر بن الخطاب يقولون بأن تعلم اللغة ضرورة لفهم القرآن، وهكذا توارث الصحابة والتابعون هذا الحرص حتى جاء الخليل بن أحمد وتلميذه سيباويه في نهاية القرن الثاني الهجري ووضع أول كتاب في النحو العربي وهو قواعد اللغة المستقرة حتى يومنا. كما ساهمت الفتوحات الإسلامية في انتشار اللغة العربية في شتى أقطار الأرض.

                                                                                       

                                                                                                                       الخط العربي

هل العربية هي أمُ اللغات بالفعل؟

أومن بأن اللغة العربية أقدم اللغات المستخدمة على الأرض، وقد أثبت العلماء حضورها في اللغات القديمة ومنها الأكادية والآرامية قبل عشرات الآلاف من السنين، بل إن الله جلّ جلاله قد علَّم أبا البشرية آدم عليه السلام، الأسماء كلها، ولابد أن ذلك كان بلغة الوحي، وهي اللغة العربية، ولهذا ورغم رياح التغريب والعولمة نرى كيف يقيض الله للغة من يدافع عنها، فيرد الأخطاء الواردة هنا وهناك، وينشر الأدب والتراث العربي.

والعربية لغة فريدة بنظام أبجديتها وثراء معجمها وهو ما يجعلنا نرى عشرات الأسماء للعسل مثلا والجمل والأسد والحب والكره، مع قدرة فائقة في التعبير عن كل المشاعر والخلجات والسلوك، وميزان صرفي ونظام نحوي دقيق.. ولهذا كان المستشرقون يرون أن العربية ولدت بلا طفولة، في كامل بهائها وثرائها منذ نشأتها، بعكس باقي اللغات؛ فإذا ما قارنا نصا لاتينيا كلاسيكيا بنص إنجليزي معاصر، قد لا نشعر أننا أمام لغة واحدة!

                                                                                             

                                                                                                   محررة صوت البلد والدكتور محمد عيسوي

كيف نغرس تذوّق اللغة العربية في نفوس الأجيال الجديدة؟

لابد أن ينتقي واضعو المناهج أفضل النصوص من عصور مختلفة، كي يمنحوا الطلاب فرصة لتذوق لغتهم العربية وجمالياتها؛  فنضع لهم مثلا شيئا من أشعار زهير بن أبي سلمى وامريء القيس ومرورا بحسان بن ثابت وكعب بن زهير وهكذا حتى نصل لشعراء العصر الحديث كأحمد شوقي والبارودي، ثم المعاصرين من ذوي الحضور الأدبي.بالطبع تلعب الأسرة دورًا كبيرا في تنمية تذوق العربية؛ وخاصة حين يدفعون بأبنائهم لحفظ القرآن الذي يضمن سلامة اللسان العربي إضافة بالطبع لحفظ القلب على مراد الله، خاصة مع تدبر معاني الآيات، مع محاولة الأسرة تعويد الطفل على القراءة الممتعة بما يلائم مرحلة الابن العمرية، وهذا لا يناقض أبدا تعلم اللغة الأجنبية، على أن تأتي متأخرة عن اللغة العربية كما تفعل دول العالم المتقدم.

 كيف نحتفل باللغة العربية الأم بشكلٍ فعال؟

علينا تفعيل قرارات المجمع لحماية اللغة العربية، ومنها استخدام اللغة الفصحى المعاصرة في وسائل الإعلام والوزارات والسفارات وأسماء الشوارع ويافطات المحال والأنشطة الرقمية عبر الإنترنت.

يمكننا نشر المبادرات لدعم المبدعين باللغة العربية في جميع المراحل العمرية، مع الاهتمام بالعربية داخل الفصول والبيوت وجميع مناحي الحياة، وهناك مبادرات طيبة لتفعيل استخدام منابر التواصل الحديثة فهي سلاحٌ ذو حدّين؛ فهي كما تشيع اللهجات المحلية واللسان الأجنبي، تنشر أيضا عيون اللغة والأدب والتراث العربي والكتابات والتغريدات الفصيحة المعاصرة.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5770

موضوعات ذات صلة

عوامل وراثية في اضطراب الشخصية الحدي

المحرر

مدير الطب البيطري بسوهاج: انتشار مافيا تجار لحوم الحمير

المحرر

الشيزوفرينيا.. فهم أعمق لمرض معقد

المحرر

تحويل الطماطم الطازجة إلى مجففة بالأقصر

المحرر

الزراعة تعزز جهود الدعم الفني والإرشادي في أسوان

المحرر

د. صفاء برعي: النصوص التراثية لفهم قضايا معاصرة

المحرر