الاتفاق الأخير الذي أنهى الاشتباكات على الأراضي اللبنانية بين حزب الله وإسرائيل أُعد بعناية، ليضمن لإسرائيل حصانة من أي تهديد لبناني مستقبلي، لكنه ترك لبنان يترنح في دوامة من الخوف من المجهول. اتفاق هش صيغ لخدمة طرف واحد على حساب شعب بأكمله، مع وعود واهية باستعادة السيادة اللبنانية، لكنها وعود تفتقر إلى آليات التنفيذ الواقعي في ظل بقاء حزب الله كقوة داخلية وخارجية مؤثرة
إسرائيل تحصن أمنها على حساب لبنان كما يوضح اللواء أشرف فوزي، الخبير الأمني، فإن الاتفاق الأخير يعكس استراتيجية إسرائيلية محكمة. “إسرائيل لا تتحرك في فراغ. هذا الاتفاق ليس فقط لتدمير راجمات حزب الله أو تفكيك وجوده العسكري، بل هو خطوة استباقية لإعادة رسم خريطة القوى في المنطقة. حزب الله قد استسلم لشروط إسرائيل في العلن، لكنه سيعيد تنظيم صفوفه في الخفاء، مستغلاً أي فراغ أمني أو سياسي
إسرائيل، عبر دعمها الأمريكي اللامحدود، وضعت اللبنة الأولى لما تسميه “أمن الحدود الشمالية”، لكنها تركت لبنان يواجه معضلة إعادة بناء دولة منهكة. حزب الله، الذي طالما فرض هيمنته على مؤسسات الدولة بسلاحه، قد يتخلى عن ترسانته العسكرية، لكنه سيحتفظ بقدرته على تأجيج الصراعات الداخلية متى شاء. وهذا الخطر المستقبلي قد يكون أكثر فتكاً بلبنان من أي عدوان خارجي.
هل يمكن للبنان استعادة سيادته؟
المستشار يونس السبكي، الخبير الأمني والاستراتيجي، يشير إلى أن “استعادة السيادة اللبنانية ليست مجرد مسألة نزع سلاح أو تغيير حكومات. إنها تتطلب توافقاً داخلياً شاملاً بين القوى السياسية التي ما زالت في حالة تردد وخوف من مواجهة حزب الله مباشرة. الوضع الحالي يظهر أن لبنان يعيش في حالة انتظار لما ستؤول إليه الأمور، لكن هذا الانتظار قد يطول لسنوات إذا استمر الانقسام الداخلي
الحكومة اللبنانية، بتركيبها الحالية، ليست قادرة على إدارة مرحلة ما بعد الاتفاق. القوى السياسية إما متحالفة مع حزب الله أو متكافئة على نفسها، ما يجعل أي محاولة لبناء نظام سياسي جديد معتمداً على السيادة أمراً بالغ الصعوبة. حزب الله، الذي تأسس ليكون ذراعاً لإيران، لن يتخلى عن دوره بسهولة. وحتى لو أجبر على نزع سلاحه، فإن نفوذه السياسي والاجتماعي ما زال قائماً.
الأمن اللبناني في خطر بسبب أن إسرائيل ضمنت أمنها بدفع حزب الله خارج نطاق العمليات العسكرية المباشرة، لكنها تركت لبنان على شفا هاوية. حزب الله، الذي فقد جزءًا من قوته العسكرية، قد يعيد توجيه طاقاته نحو تغذية صراعات طائفية داخلية، وهو ما يجيده بامتياز وفق أيديولوجية المرتبطة بـ”ولاية الفقيه
اللواء أشرف فوزي يضيف: “الخطر الأكبر يكمن في أن حزب الله قد يلجأ إلى الحرب الأهلية كخيار استراتيجي، مستغلاً بيئة الصراع الداخلي التي تعيشها البلاد. في حال حدوث ذلك، ستتحول لبنان إلى ساحة حرب مفتوحة، يستفيد منها تجار السلاح والسماسرة، ستنهار كل محاولات بناء الدولة الحديثة
مستقبل القوى السياسية اللبنانية
فى المرحلة المقبلة ستشهد تغييرات جذرية في خريطة القوى السياسية اللبنانية. الأحزاب التي تحالفت مع حزب الله قد تعيد حساباتها، خاصة إذا تأكدت من أن الحاضنة الإقليمية للحزب، أي إيران، تواجه ضغوطاً دولية وإقليمية كبيرة.
لكن المستشار يونس السبكي يرى أن “التحولات السياسية لن تكون سهلة أو سريعة. القوى السياسية المعارضة لحزب الله تحتاج إلى استراتيجية موحدة، وهو أمر مفقود حتى الآن. كما أن الدور الإقليمي والدولي سيكون حاسماً في توجيه هذه التحولات
إسرائيل لا تخطط للمدى القصير فقط؛ فهي تدرك أن إزالة حزب الله من المشهد اللبناني بشكل كامل أمر مستبعد حالياً. لكنها تعمل على إضعافه تدريجياً من خلال خلق بيئة داخلية غير مواتية لاستمرار كقوة عسكرية أو سياسية مؤثرة.
التكتيك الإسرائيلي يقوم على دفع حزب الله نحو المواجهة الداخلية، مستغلة صراعاته مع القوى السياسية الأخرى. وفي هذا السياق، يشير اللواء أشرف فوزي إلى أن “إسرائيل قد دفعت بحزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، لكنها تدرك أن هذا ليس نهاية المطاف. الهدف الحقيقي هو استنزاف الحزب داخلياً، بحيث يصبح غير قادر على تهديد أمن إسرائيل مستقبلاً
