قضية عصام صاصا، الشخصية المثيرة للجدل، أصبحت محور حديث الشارع المصري في الأيام الأخيرة بعد ارتكابه جريمة قتل مأساوية ذهب ضحيتها رب أسرة وأيتّم أربعة أطفال ورمّل امرأة. وبينما كان الناس يتوقعون من مغني الشارع هذا أن يكون أقوى وأكثر صلابة في مواجهة تبعات أفعاله، إذ به يظهر ضعفا إنسانيا ملموسا، ربما لم يكن أحد يتوقع
عصام صاصا، الذي اشتهر بغناء أغاني الشارع التي تحاكي تجارب الشباب وتمنحهم شعورًا بالقوة والتحدي، وجد نفسه في لحظة لا يمكن أن تعبر عنها كلماته أو أغانيه. ففي أحد مقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر صاصا وهو يقرأ القرآن الكريم أثناء محاكمته. هذه اللحظة كانت بمثابة صدمة للكثيرين ممن كانوا يرون فيه رمزًا للقوة وعدم الانكسار، فكيف يمكن لمن غنى عن السجن والجدعنة أن ينهار في مواجهة الواقع؟
الأغاني التي كان يروجها صاصا تشجع الشباب على تجاوز التحديات والوقوف أمام المصاعب دون خوف، وكثيرا ما كانت تتضمن إشارات إلى أن السجن هو قدر الأبطال الجدعان. ولكن عندما أُسدل الستار على حياة الشارع وواجه صاصا حقيقة السجن، لم يستطع أن يتحمل تلك التجربة المريرة حتى ولو لساعة واحدة.
بينما كان هناك تعاطف ملحوظ مع صاصا بسبب حالته النفسية والانهيار الذي بدا عليه خلال محاكمته، لم يغفل الجمهور عن حقيقة الجريمة التي ارتكبها. كيف يمكن لشخص أودى بحياة رجل بريء وأثّر على مستقبل أسرة بأكملها أن يحظى بأي نوع من التعاطف؟ هذه المفارقة أثارت جدلاً واسعًا حول مفهوم التعاطف والعدالة.
من جهة أخرى، يجادل البعض بأن صاصا لم يكن في وعيه الكامل وقت ارتكابه الجريمة، وأنه كان تحت تأثير الكحول. هذا التبرير دفع البعض إلى محاولة فهم موقفه من زاوية أخرى، على اعتبار أن الإدمان قد يكون هو السبب الحقيقي وراء ما حدث، وأن الجاني ضحية لظروف نفسية واجتماعية دفعته إلى هذا الفعل.
في لحظة الصدمة والخوف، لم يجد صاصا ملجأً إلا في العودة إلى الدين. قراءته للقرآن في قاعة المحكمة كانت تعبيرًا واضحًا عن حالة الضياع التي عاشها، وعن بحثه عن مخرج من الموقف الذي وضع نفسه فيه. ربما كان يبحث عن رحمة الله وعن مغفرة لما اقترفه، ربما كان يطلب المساعدة من مصدر قوة لا يمكن أن توفره له أي أغنية أو كلمة في هذا العالم.
هذا الموقف ذكر الكثيرين بالآية الكريمة من سورة التوبة: “حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بماذا رحبت وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ الرحيم”. هذه الآية تعكس تمامًا ما مر به صاصا، فبعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت، لم يجد ملجأ سوى اللجوء إلى الله.
ما حدث مع صاصا ليس مجرد قصة شخصية، بل هو درس للجميع. كثيرون يعتقدون أنهم قادرون على مواجهة الحياة بكل تحدياتها، وأنهم لن ينكسروا أمام أي صعوبة. ولكن عندما يجد الإنسان نفسه في موقف لا يستطيع الهروب منه، يتكشف أمامه ضعفه البشري الحقيقي.
هذه القصة ليست للتشفي أو الشماتة، بل هي دعوة للتأمل والتعلم. فحياة الإنسان مليئة بالتجارب التي يمكن أن تعصف به في أي لحظة، وقد يكون الحل الوحيد هو العودة إلى الإيمان والبحث عن المخرج من خلال الدين
قضية عصام صاصا تبقى مفتوحة على الكثير من التساؤلات والنقاشات. هل كان ضحية لظروفه أم جاني يستحق العقاب؟ هل التعاطف معه مبرر، أم أن العدالة يجب أن تأخذ مجراها دون النظر إلى حالته النفسية؟
مهما كانت الإجابة، يبقى الأكيد أن الحياة قد تحمل لنا ما لا نتوقعه، وأن القوة الحقيقية قد لا تكون في التحدي التمرد، بل في القدرة على الاعتراف بالخطأ والبحث عن الغفران
