ثقافة وأدب

في عيده الـ113.. إبداعات نجيب محفوظ تبوح بأسرار جديدة

من حي الجمالية بالقاهرة الذي نشأ وترعرع فيه أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ، وتلمس الخيوط الأولى لموهبته في عالم الكتابة، وبالتحديد من مبنى تكية محمد بك أبو الدهب الأثري الذي يحتضن متحف الأديب العالمي، أطلقت وزارة  الثقافة احتفالاتها بمرور 113 عاما على ميلاد محفوظ.

نظمت الوزارة، ممثلة في قطاع صندوق التنمية الثقافية، ندوة مهمة حول “إبداعات وسيرة نجيب محفوظ في مرآة المؤلفين” استضاف خلالها عددًا من كبار النقاد والكُتّاب، تباروا في الحديث عن إبداعاته المختلفة.

الناقد الأدبي الدكتور مصطفى القزاز، مدير الندوة، أعرب عن سعادته بالتقاء هذا الجمع من النقاد والمثقفين والأدباء في رحاب نجيب محفوظ، وفي متحفه مركزه الثقافي بمشاركة أربعة من كبار الكتاب والنقاد جعلوا من إبداع نجيب محفوظ محورًا لكتبهم.

 

إبداعات وسيرة نجيب محفوظ 

عرّفَ الدكتور القزاز بالكتب المطروحة على الندوة، وأولها كتاب “نجيب محفوظ ناقدًا”، للناقد الأدبي الدكتور تامر فايز، أستاذ الأدب العربي الحديث والمقارن بجامعة القاهرة، الذي قدّم مقاربة نقدية تأويلية لحوارات نجيب محفوظ المنشورة في المجلات الأدبية خلال نصف قرن، وأسفرت عن إظهار الصورة الضمنية القابعة في تلك الحوارات، وهي صورة نجيب محفوظ الناقد.

أما الكتاب الثاني “أنا نجيب محفوظ” للكاتب الصحفي الدكتور إبراهيم عبد العزيز، فيتتبع السيرة الذاتية التى بثها نجيب محفوظ فى أقواله وأحاديثه وتصريحاته، على مدى سنوات عمره، فى سياق موثق بزمانه ومكانه، ويراعى تسلسل مراحل حياته، وما حققت به تلك الحياة من كفاح أدبى تشابك مع قضايا المجتمع وهمومه وأحداث الوطن بآماله وآلامه وانتصاراته وانتكاساته.

وجاء الكتاب الثالث بعنوان “أيام مع نجيب محفوظ: حكايات وحوارات” للكتاب الصحفي محمد الشاذلي. وتضمن أربعة فصول، الأول “الحكايات”، والثانى “نجيب محفوظ والصحافة”، والثالث “الحوارات”، والرابع “وثائق وصور”. واختتمه بكلمة لأديب نوبل نجيب محفوظ كتبها بخط يده.

وحمل الكتاب الرابع عنوان “ثلاثون عامًا في صحبة نجيب محفوظ” للدكتور محمود الشنواني، وهو يحكى عن نجيب محفوظ الإنسان والأديب، ويروي مجريات مئات اللقاءات الممتدة عبر ثلاثين عامّا من صحبة نجيب محفوظ وصحبة رواد ندوته، وصحبة كلماته وتأملاته وضحكته الصافية، وتفاصيل حياته البسيطة.

 

نجيب محفوظ.. ناقدًا متمكنًا

استهلّ الناقد الأدبي الدكتور تامر فايز، أستاذ الأدب العربي الحديث والمقارن بجامعة القاهرة، كلامه واصفًا الأديب الكبير نجيب محفوظ بأنه “كان ناقدًا متمكنًا وملمًا بأنساقٍ نقدية خاصة به”. وأكد أنه عرض في كتابه “نجيب محفوظ ناقدا” مقاربات نقدية لحوارات محفوظ خلال نصف قرن أظهرت صورة نجيب محفوظ الناقد.

وقال: لم أكن أنوي كتابة كتاب كامل عن محفوظ؛ لأننى كتبت عنه في أحد الأبحاث التي نلت عنها ترقية، تناولت فيه مسرحياته القصيرة، وقصصه القصيرة وعلاقتها بالسينما، كما تناولت رواية الحرافيش، ضمن الأدب المقارن.

وأضاف أن الكتاب جاء مصادفة، فقد كُلفت ببحث  عن محفوظ، وفوجئت بهذا الكم الهائل الذي تخطى 30 حوارا في صحف ومجلات، لم تجمع في كتاب واحد؛ فجمعت ما استطعت الحصول عليه من مكتبات دار الكتب، والمكتبة المركزية بجامعة القاهرة، وغيرهما، لأكتشف أنني أمام مبدع يتميز بملمح لم يتكلم عنه أحد، وهو “محفوظ الناقد”.

تأثير آراء محفوظ في نقاده

ولفت الدكتور تامر فايز إلى أن هناك علاقة وطيدة بين كون محفوظ ناقدا ودراسته للفلسفة، فهي ترتبط بالنظريات النقدية، وتضاف إلى المصادر التي شكلت وعيه النقدي الذي لم يقل في قيمته النقدية عن النقاد المشهورين، مثل: مندور، وتليمة، وغيرهما، فكانت آراؤه تتبع المناهج النقدية والنظريات النقدية المعروفة، كما حاولت تطبيق التأويل باكتشاف بعض سمات محفوظ عن طريق الضحك والإيماءات والصمت، ذلك أن محفوظ كان ذكيا يعرف متى يصمت، ومتى يتكلم، ومتى يومئ، ومتى يشير.

وأضاف أن محفوظ يمتلك من المصطلحات النقدية ما يضاهي النظريات الغربية والإجراءات النقدية المتبعة، فكان على وعي كبير بها، ولذلك ظهر لي بوصفه ناقدا نظريا وتطبيقيا في فنون الرواية والمسرح والقصة القصيرة والسينما، كما يمكننا أن نطلق عليه الناقد الثقافي، وأعني بذلك أنه كان يمتلك آراء نقدية تجاه الحالة الثقافية العامة في المجتمع والواقع، عن قضايا الزواج والفقر وغيرهما، فكان يرد بوصفه مثقفا واعيا، مشيرا إلى أن آراء محفوظ النقدية أثّرت كثيرا في نقاده.

 

وشدد الدكتور تامر فايز على أن تلك الحوارات ـ التي أقام عليها دراسته ـ تمثل كنزا للدارسين؛ فقد ذكر محفوظ جزءا كبيرا من سيرته الذاتية من خلال حواراته، وهو الذي قال: أنا لم أخبئ شيئا، أنا رجل مسالم، وذلك عندما سئل: لماذا لم تكتب سيرتك حتى الآن؟

واختتم كلامه مؤكدا أن أجزاء من تلك الحوارات تحولت لأعمال أدبية، فبعض الأسئلة كانت تحوله إلى سارد وليست مجرد إجابة؛ فعندما سئل عن ثورة 1919 وكيف أثرت فيه رد بقصة قصيرة جدا، وجدت فيها كل العناصر المكتملة التي وضعها النقاد لمثل هذا النوع الأدبي.

 

محفوظ.. الأقرب للناس البسطاء

وعن بداية معرفته بالأديب العالمي عن قرب، أوضح الكاتب الصحفي الدكتور إبراهيم عبد العزيز أنه عرفه في ظروف صعبة، فقد كان صحفيا تحت التمرين بمجلة المصور؛ ففي عام ١٩٨٣ اتصل بنجيب محفوظ لإجراء حوار معه، فلم يرفض بل عامله كصحفي شهير، ولم يبخل عليه بالإجابات الوافية لكل أسئلته.

ووصف نجيب محفوظ بأنه كان متواضعا، وكان الأقرب للناس البسطاء من بين كتاب مصر، وتلك صفة يتشابه فيها مع طه حسين، بل إن من اقترب من محفوظ كان يشعر بأنه هو المقرب والصديق الوحيد له، فكان متواضعا جدا يسلم على الآخرين بحماسة شديدة وكأنه صديقه المقرب حتى لو كانت هي المرة الاولى التي يراه فيها.

كما وصف علاقته بالأديب الكبير بأنها كانت علاقة صداقة، وأنها شجعته على أن يعرض عليه أن يكتب عنه كتابا عن أساتذته وتأثيرهم فيه، فأعجب محفوظ بالفكرة كثيرا، وكان يذهب إليه كل أسبوع؛ ليتحدث معه عن شخصية أستاذ أثّر فيه، فكان كتاب “أساتذتي”. ويلفت إلى أن اعتراف أديب نوبل بأن له أساتذة مؤثرين في حياته الأدبية أنه لا ينسى الفضل أبدا، رغم أن هناك الكثيرين ممن لم يصلوا إلى مستوى نوبل لا يعترفون بأن لهم أساتذة.

 

أين وقعت أحداث “الحرافيش”؟

وعن كتابه “أيام مع نجيب محفوظ.. حكايات وحوارات”، قال الكاتب الصحفي محمد الشاذلي: إنه جاء من ثقافة تؤمن بنجيب محفوظ باعتباره الكاتب الفذ. وأضاف: دخلت لعالم نجيب محفوظ باعتباري صحفيا، لأسأله، وأجري معه حوارات في مناسبات تخصه وتخص العرب والمصريين، وكنت ضمن الوفد المسافر لاستلام جائزه نوبل، وكنت قريبا من محفوظ.

وأكد أنه كلما حانت مناسبة لنجيب محفوظ، سواء عيد ميلاده أو وفاته أو ذكرى جائزة نوبل، أتذكره وأقص ما قاله لي في كل مناسبة، وعندها قررت أن أكتب مقالات تتضمن ذكرياتي معه، وصلت إلى 28 مقالا، وحققت تلك المقالات أعلى القراءات، وكان الجميع يريدون معرفة كل تفاصيلها.

 

وعن أطرف ما ورد في كتابه، يروي الشاذلي أنه عرف المكان الحقيقي الذي دارت فيه أحداث “الحرافيش” بتفاصيله، حتى الصحراء التي تقع خلف المنطقة، وعندما ذكر ذلك لمحفوظ ضحك متسائلا: وهل هناك مكان في الواقع يعقل أن يسمى الحرافيش؟

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=4670

موضوعات ذات صلة

الآثار : تماثيل أسود قصر النيل ليست مسجلة

المحرر

الحرب اللبنانية صنعت بمآسيها مدرسة الرواية الجديدة

المحرر

مثقفون وقانونيون: الرجال مسئولون عن حماية حقوق المرأة

المحرر

د. أحمد عفيفي: الرقمنة تهدد اللغة العربية

المحرر

جامعة المنصورة تمنح حماد الرمحي الدكتوراه في التحول الرقمي في الإعلام

المحرر

أنظار العالم تتجه إلى أكبر احتفالية ثقافية مصرية

المحرر