ثقافة وأدب

محمد نبيل: الواقع فرض رقمنة الكتاب على صناعة النشر

تواجه صناعة النشر في مصر عدد من التحديات، ونحن على مشارف انطلاق فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ (56)، في ظل الحاجة الماسة لانعقاد المزيد من الفعاليات الثقافية على مدار العام لتحقيق اللامركزية الثقافية وبناء الإنسان المصري وفقًا لرؤية 2030.

“صوت البلد” حاورت الكاتب محمد نبيل وكيل وزارة الثقافة، للوقوف على أبرز تلك التحديات، حيث تحدث عن ضرورة تحقيق الموائمة بين القراءة التفاعلية الرقمية والقراءة الكلاسيكية الورقية، حتى تتحقق مواكبة العصر، مشيرًا إلى التراجع الكمي في أعداد الكتب المنشورة، مستعرضًا أسباب ذلك. كما أوضح رؤيته لسُبُل تنشيط سوق الكتاب بما يحقق المكسب المنشود للقارئ والناشر، في ظل تنسيق مطلوب بين الجهات المعنية بصناعة الكتاب في مصر.
كما تحدث نبيل عن التوترات السياسية الراهنة في المنطقة العربية، والتي ربما كانت سببًا في زيادة عدد الناشرين العرب بمعرض الكتاب بالقاهرة، لتكون الكتابة شكلًا من أشكال مواجهة التحديات وسبيل لإيصال الرؤى والأفكار، إلى جانب الهدف الأساسي وهو الاشتراك في هذا المحفل الثقافي العالمي الضخم، حيث يطمح الكُتاب العرب بأن تكون حفلات توقيع كتبهم في “معرض القاهرة الدولي للكتاب”.. وإلى نص الحوار..

كيف ترى زيادة عدد الناشرون العرب في المعرض الحالي للكتاب؟ هل هي طريقة لمواجهة التحديات العربية الراهنة؟

يشهد معرض الكتاب الحالي زيادة في أعداد الناشرون العرب. يمكن أن يكون ذلك لمواجهة التحديات وتوصيل أصواتهم بشكل أكبر، وأيضًا الرؤى والأفكار. ولكن لا نغفل أن كثير من الدول العربية حتى المستقرة منها تطمح أن تكون حفلات توقيع الكتب لها في معرض الكتاب بالقاهرة، وأن تكون دور النشر الوطنية لهذه الدول لها أذرع وامتداد في المعرض. وقد حضرت في الدورة (55) من المعرض حفل توقيع لكاتبة كويتية من الأسرة الحاكمة، وحضرها سفير الكويت، وحفل آخر لأحد شباب الكتاب في السعودية وحضرها سفير السعودية، وهي دول تنعم بالاستقرار. فلم يكن المقياس هو اضطراب دول مثل سوريا واليمن وفلسطين والسودان وليبيا، ولكن الهدف دائمًا وأبدًا هو الاشتراك في المحفل الثقافي العالمي. فمصر تملك أفضل ما تملك في قوتها الناعمة وهي القوى الحاكمة والمسيطرة والرائدة في الوطن العربي، والنصف الجنوبي للكرة الأرضية. وللمعرض أهمية خاصة للدول العربية والغربية، فضيف الشرف في الدورة الحالية هي سلطنة عمان، وفي الدورة السابقة كانت النرويج هي ضيف الشرف. وهذا التبادل بين الدول العربية والأجنبية يعكس أهمية هذا المعرض على المستوى العربي والعالمي.
ثورة المعلومات في أجيالها المتلاحقة بدءً من ثورة المعلومات في الستينيات وإعلان أن العالم أصبح قرية صغيرة. ونحن في الألفية الثالثة نتحدث عن مواكبة الذكاء الاصطناعي وثمار ثورة المعلومات. وأرى أنه من المهم أن يواكب المؤلف والناشر جمهوره، فالكثير من فئات الجمهور أصبحت تهتم بالمطالعة الرقمية، لكن في النهاية سيبقى الكتاب بمفهومه الأكبر والأعم بشكله الورقي الكلاسيكي، لأنه يحمل الكثير من الخصوصية، فهناك علاقة عضوية وشخصية بين القارئ والكتاب تنتفي مع رقمنة الكتاب. ولا ننفي أن الواقع يفرض علينا أن هناك تنافس بين المطبوع والإلكتروني من الكتب. وفي النهاية المهم هو أن تنتشر المعرفة. وعلى الناشرين إيجاد سبل أخرى لاستمرار كياناتهم ومؤسساتهم الخاصة بالنشر في صناعة النشر، مع الالتفات إلى أن النشر لم يعد يعتمد على الطباعة فقط، وإنما أيضًا على الأسلوب التفاعلي بالمطالعة الرقمية للكتب. بمعنى أنه من المهم أن يكون هناك مواكبة للعصر،  وأن يقتنع الكاتب والناشر أن الوصول بالأفكار هو الهدف. ولا ننفي عن صناعة الكتاب أنها تستهدف الربح وتستبعد الخسارة، لذا فلا بد بين الموائمة بين القراءة التفاعلية الرقمية والقراءة الكلاسيكية الورقية.

هل نحن في حاجة إلى فعاليات ثقافية كبرى على مدار العام إلى جانب معرض الكتاب؟
إننا في حاجة إلى فعاليات ثقافية كبرى بجانب معرض الكتاب على مدار العام، انطلاقًا مبدأين هامين على وزارة الثقافة أن تنفذهم، وهما: مبدأ لامركزية الثقافة وانتقال مركزية الثقافة من القاهرة إلى محافظات مصر كلها، وكذلك العدلة الثقافية التي يجب أن تضمن وصول المنتج الثقافي باختلاف أنواعه إلى الجمهور المستهدف سواء رغب هذا الجمهور في اقتناء الكتب أو الاحتكاك بهذه المعارف، أو للوصول إلى بناء الإنسان حسب رؤية الدولة 2030 لبناء الشخصية المصرية كي تُكافئ الجمهورية الجديدة.

ماذا عن جودة المواد المتاحة بسوق الكتاب حاليًا؟

إذا تحدثنا عن هذا الأمر من ناحية الموضوعات، فأعتقد أنه لا جديد تحت الشمس، لأن نفس الموضوعات تُطرح بمعالجات وسياقات مختلفة. فالمواد الأدبية أفكارها مكررة برؤى مختلفة، وهذا فقط هو الجديد، أما ما يُستجد يكون في الطفرات العلمية والكتب المعنية بالثقافة العلمية والذكاء الاصطناعي. وعن الموضوعات السياسية والصراعات العالمية والتغيرات الديموجرافية، فهي ممتدة منذ عدة سنوات، ولا جديد بشكل حاد، خاصةً أن الطبيعة الإبداعية في مصر والوطن العربي تشهد تراجع كمي عما كانت من قبل. ونجد أن الأمر ذاته تشهده السينما، وكذلك التليفزيون. وقياسًا على ذلك نجد أن الدول التابعة في الفلك الدرامي والإبداعي والأدبي لمصر من الدول العربية ودول جنوب البحر المتوسط وإفريقيا تشهد أيضًا تراجع في أعداد الكتب بشكل ملحوظ. 

وما سبب هذا التراجع الكمي ؟

في السابق، كنا نجد أن دور النشر تطلب شراء كتاب معين من الكاتب، أو تستكتب أحد الكُتاب في أحد المجالات. أما حاليًا فالكُتاب هم من يذهبون إلى دور النشر والمؤسسات، بل ويقع الكاتب في معادلة اقتصادية مع دور النشر، وقد يدفع لها مقابل النشر نتيجة ارتفاع أسعار الورق وماكينات الطباعة، وغياب الأيدي العاملة الماهرة، وأيضًا ضعف القدرات البشرية المؤهلة للصياغة والمراجعة اللغوية والإخراج الفني الجاذب. كل ذلك يؤدي إلى تراجع أعداد المنشور من الكتب، ونحن نعرف من خلال قياسات بحوث الرأي معدلات القراءة على مستوى الدولة، فهذا هو ما يحدد علاقة القارئ بالكتاب، وعلاقة الناشر بصناعة النشر.

في رأيكم، ما أهم سُبل تنشيط سوق الكتاب في مصر حاليًا؟

أنا دائمًا أستثني المستهلك من مثلث الإبداع، فالمسؤول هنا هو القائم على النشر والإمكانيات المادية، فالقائم على الثقافة هو الذي يجب أن يقوم بالمعادلة الذهبية التي توفق بين ما يجب أن يقرأه ويشاهده المتلقي وما يحب أن يقرأه ويشاهده. والحل الذهبي في رأيي هو  الوصول إلى الحاجات المعرفية للمتلقي وتلبيتها لدى الجمهور المستهدف. على سبيل المثال، تقوم بعض مؤسسات النشر بالمنافسة فيما بينها على ذات الموضوعات، خاصةً العناوين التي خرجت عن حماية قانون الملكية الفكرية أي التي مر على نشرها أكثر من 50 عام، فتتنافس دور النشر على طباعتها سواء طباعة شعبية أو متميزة، تلبيةً لحاجات القارئ. وأرى أن هذا التنافس قد يكون مُرضي أو مَرَضي، فيكون مَرَضي عندما يتم دون تنسيق بين المؤسسات الحكومية مثلًا فيحدث تضارب، فالمنافسة خارج هذا السياق بطريقة ليست تكاملية تكون ضد صناعة النشر. وهو ما يحدث عندما عندما تغيب رؤية استراتيجية للدولة – متمثلةً في القائمين على صناعة النشر – عن ما يجب أن يقدم للجمهور، وما يجب أن يحب أن يقرأ،  تكون نقيصة في صناعة الكتاب. وأود أن أُشير أيضًا إلى أنه يجب ألا يتم تدوير الكتب التي بارت وكسدت في معارض الكتاب والمحافظات والأقاليم والمعارض الفرعية والدائمة والثابتة، فمن المنطقي تجنب تقديمها من جديد للجمهور بعد أن رفضها التذوق الجمعي سواء بسبب أسلوب الطباعة الرخيصة جدًا أو الغالية جدًا، أو أنها ذات عناوين مكررة، أو بسبب الموضوعات نفسها. ولكن أحيانًا يكون هناك إصرار على إعادة تقديمها، الأمر الذي يمثل نقيصة كبيرة في الرؤية والتنسيق الشامل لصناعة الكتاب في مصر. وفي النهاية القارئ يُقبل على الموضوع الشائق والجاذب والأنيق الذي يخرج في مظهر طباعي لائق. وهذه الأمور هي ما يجذب اهتمام القارئ وتنشط سوق الكتاب.

كيف تُقيم مستوى الكُتاب الحاليين بشكل عام؟

حالة الإبداع بشكل عام ترتبط إلى حد كبير بما يعانيه المجتمع، فنجد نتاجات مصر في فترة الستينيات داعمة لانتصار 1973. وفي الثمانينيات لم يكن هناك عدد كبير من المبدعين قياسًا بفترة الستينيات، ومع 2013 استلهم بعض الكُتاب المصريين التجربة، وصاغها الكثير من الكُتاب الكبار والشباب. فالألم المجتمعي الجمعي هو الحافز للكتابة والإبداعات النظمية والسردية والفنية على اختلاف تنوعاتها. وهذا التصور نابع من رؤيتي الشخصية.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=556

موضوعات ذات صلة

في عيده الـ113.. إبداعات نجيب محفوظ تبوح بأسرار جديدة

المحرر

مثقفون وقانونيون: الرجال مسئولون عن حماية حقوق المرأة

المحرر

الاثنين المقبل.. الأوبرا تعرض عفوية فنية بالمصري

المحرر

صوت الذكريات في نوستالجيا لوحات ديانا

المحرر

إعلان الإخوان الدكتاتوري .. وأيام الغضب المصري

المحرر

إحياء التراث المعماري.. تجارب منفردة تفتقد الرؤية الشاملة

المحرر