البلد خانةسليدر

مساكن الأمريكان بسيدي بشر: تاريخ مهدد بمشاكل الصرف والقمامة

وسط منطقة سيدي بشر البحرية النابضة بالحياة في الإسكندرية، وعلى بعد خطوات من شاطئ البحر المتوسط، تقع منطقة سكنية هادئة نسبياً تحت مسمى غريب يثير الفضول لدى السكان المحليين: “مساكن الأمريكان”. ورغم أن هذا الاسم غير موجود على الخرائط الرسمية، فإنه يحمل في طياته تاريخًا عريقًا يعكس فصلاً منسيًا من تاريخ المدينة الكوزموبوليتانية، وهو تاريخ بدأ يبرز مؤخرًا من خلال بعض الروايات الأدبية.

لا يوجد في هذه المساكن اليوم أي أثر لوجود أمريكي أو جالية أجنبية واضحة، والمباني هي عمارات سكنية مصرية عادية يسكنها خليط من الطبقة المتوسطة والعائلات السكندرية الأصيلة. السؤال الذي يطرح نفسه دائماً على الزوار الجدد هو: “لماذا سُميت بهذا الاسم؟” القصة، كما يتداولها كبار السن من سكان المنطقة، لا تتعلق بغزو أو احتلال عسكري، بل ترتبط بفترة زمنية محددة وبمشروع سكني فريد.

تعود تسمية “مساكن الأمريكان” إلى فترة الستينيات من القرن الماضي، وتحديداً في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. في تلك الفترة، كانت مصر تشهد نهضة صناعية وعسكرية كبيرة، وكانت تستعين بخبراء أجانب، خاصة من الاتحاد السوفيتي والدول الغربية على حد سواء، في مختلف المجالات.

وفقاً للروايات الشفهية، قامت الحكومة المصرية ببناء هذه العمارات السكنية المخصصة لإقامة هؤلاء الخبراء الأجانب وعائلاتهم. ويُقال إن دفعة من الخبراء العسكريين أو المهندسين الأمريكيين الذين كانوا يعملون في أحد المشاريع القريبة قد سكنت هذه العمارات لفترة وجيزة؛ إذ تميزت هذه المساكن في ذلك الوقت بتصميمها المختلف نسبياً عن العمارة المصرية التقليدية، وبمستوى تشطيبها الجيد والمرافق المتاحة فيها، مما جعلها تبدو “أجنبية” أو “راقية” في نظر السكان المحليين. ومن هنا، أطلق عليها أهل سيدي بشر اسم “مساكن الأمريكان”.

بصمة معمارية وتأثير اجتماعي

لم يقتصر الأثر على الاسم فقط، بل امتد إلى النسيج العمراني والاجتماعين حيث تتميز العمارات بطراز معماري بسيط وعملي، يختلف عن البنايات السكندرية الكثيفة التي انتشرت لاحقاً في المنطقة. المساحات الخضراء المحدودة والمداخل الواسعة كانت سمات لفتت انتباه السكندريين في ذلك الحين، مما عزز الشعور بأنها منطقة “خاصة” أو “للخواجات”.

اجتماعياً؛ فقد مثّل وجود الخبراء الأجانب في حقبة الستينيات نقطة تلاقٍ ثقافي بسيطة؛ حيث يتذكر كبار السن كيف كان الأطفال يتبادلون التحيات مع عائلات الخبراء، مما أضفى طابعاً “كوزموبوليتانياً” مصغراً على الحي، حتى وإن كانت الإقامة قصيرة.

مع مرور الوقت، ومع تغير الظروف السياسية وانسحاب الخبراء الأجانب، تم تسكين العائلات المصرية في هذه الوحدات السكنية. لكن الاسم ظل عالقاً في الذاكرة الجمعية للمنطقة، حيث تحول الاسم من مجرد وصف لسكان مؤقتين إلى هوية للمكان نفسه.

المنطقة اليوم

اليوم، أصبحت “مساكن الأمريكان” جزءاً لا يتجزأ من حي أول المنتزه، وتُعرف بأنها منطقة هادئة نسبياً مقارنة بالصخب التجاري لشارع محمد نجيب القريب أو منطقة ميامي، ورغم أن أغلب سكانها الحاليين قد لا يعرفون القصة كاملة، إلا أن الاسم مازال يثير فضول الأجيال الجديدة حول سر التسمية الغريبة؛ فالمنطقة حالياً ملاذ للباحثين عن السكن الهادئ بالقرب من البحر، بعيداً عن الازدحام المروري، إذ تحولت إلى معلم محلي يستخدمه الجميع كنقطة استدلال وعنوان شهير في منطقة سيدي بشر.

انتشار القمامة ومياه الصرف الصحي

تحديات الحاضر

على الرغم من تاريخها المميز وطابعها الهادئ نسبياً، لم تسلم “مساكن الأمريكان” من التحديات التي تواجه العديد من المناطق السكندرية القديمة. فاليوم، تعاني المنطقة من إهمال واضح، حيث بدأ شبح العشوائية يزحف عليها؛ حيث يلاحظ الزائر انتشار تجمعات القمامة في بعض الأركان، وتهالك واجهات بعض المباني التي تحتاج إلى صيانة عاجلة.

تتفاقم المشاكل في مواسم النوات الشتوية، حيث تتحول بعض الشوارع الداخلية إلى برك مياه بسبب ضعف كفاءة شبكة الصرف الصحي، مما يعيق حركة السكان ويكشف عن بنية تحتية متهالكة لا تتناسب مع تاريخ هذه المساكن التي كانت يوماً رمزاً للتميز والرقي.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=8231

موضوعات ذات صلة

موعد مباراة الزمالك القادمة بكأس عاصمة مصر

محمود المهدي

شادية الأتاسي: سقوط بشار أشبه بـحلم ولن نصبح كابول

المحرر

الحبس والغرامة في انتظار المعتدين على الأراضي الزراعية

المحرر

تخريج دفعة جديدة من الدعاة الوافدين بالأزهر

محمود على

براءة تحت التهديد

أيمن مصطفى

القس ادريه زكي: الشكر في الأزمات تُعلمنا رؤية النعمة

حازم رفعت