شؤون سياسية

نتنياهو يقبل بوقف إطلاق النار في لبنان

قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالموافقة على وقف إطلاق النار في لبنان يأتي بعد مشاورات أمنية محدودة أجريت مساء الأحد، وهو قرار يحمل دلالات عميقة على الصعيدين المحلي والإقليمي. حيث باتت التطورات في لبنان وسوريا وموقف حزب الله من أبرز التحديات أمام السياسة الإسرائيلية، في ظل الضغوط الأمريكية التي لعبت دورا محوريا في هذا الاتفاق.

ضغط أمريكي لتحقيق التهدئة

بحسب ما أوردته هيئة البث الإسرائيلية، فإن الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين هدد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان إذا لم يوافق الجانب الإسرائيلي على مقترح وقف إطلاق النار. تلك التهديدات جاءت واضحة عبر السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايك هرتسوغ، حيث أوضح هوكشتاين أن استمرار المماطلة الإسرائيلية سيؤدي إلى تخلي واشنطن عن جهود الوساطة، ما قد يدخل المنطقة في دوامة تصعيد جديد.

وفي هذا السياق، يشير المستشار يونس السبكي، الخبير الأمني والاستراتيجي الملقب بـ”الشهيد الحي”، إلى أن هذه الضغوط تعكس حرص الولايات المتحدة على تجنب انهيار الأوضاع في الشرق الأوسط، خاصة مع التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وحزب الله. ويقول السبكي: “تهديد هوكشتاين بالانسحاب لم يكن مجرد تكتيك دبلوماسي، بل رسالة قوية بأن واشنطن لن تسمح لأي طرف بإجهاض جهود التهدئة في لحظة حساسة

على الجانب الآخر، أكدت تصريحات الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أن أي اتفاق للتهدئة يجب أن يكون تحت سقفين أساسيين: وقف العدوان الإسرائيلي بشكل كامل، وحفظ السيادة اللبنانية. هذه المبادئ وضعت إسرائيل أمام تحد صعب، خاصة بعد أن أصر نتنياهو على حرية الحركة العسكرية في جنوب لبنان كشرط لإتمام الاتفاق، وهو ما رفضه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.

الدكتور أحمد رفيق عوض، مدير مركز القدس للدراسات، يرى أن حزب الله نجح في فرض معادلة جديدة على طاولة التفاوض. ويضيف: “الضربات النوعية التي نفذها حزب الله على المواقع العسكرية الإسرائيلية أكدت قدرته على الردع، وهو ما دفع واشنطن إلى ممارسة ضغوط كبيرة لضمان عدم انهيار الوضع”.

تحديات التنفيذ ومستقبل التهدئة

في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل عن قبولها للاتفاق، بدأت المشاورات داخل حكومة نتنياهو حول كيفية تقديم بنود الاتفاق للجمهور الإسرائيلي، وهي خطوة تعكس قلق الحكومة من ردود الفعل الداخلية. إذ يتعين على نتنياهو إقناع الشعب الإسرائيلي بأن هذا الاتفاق يخدم المصالح الوطنية، خاصة في ظل الخسائر الكبيرة التي تكبدتها إسرائيل خلال الاشتباكات الأخيرة مع حزب الله.

مصادر إسرائيلية أكدت أن الجيش الإسرائيلي طالب بضمانات من واشنطن بحرية التحرك على الحدود اللبنانية السورية في حال انتهاك الاتفاق. هذه الضمانات قد تشكل عاملا مهما لتهدئة مخاوف القيادات العسكرية، لكنها تظل محل جدل واسع داخل الأوساط السياسية في إسرائيل.

الجانب الإنساني وتأثير التصعيد السابق على الاشتباكات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله أسفرت عن خسائر كبيرة على الجانب اللبناني، حيث بلغ عدد القتلى 3,754 شخصًا، فيما تجاوز عدد الجرحى 15,626 شخصًا. كما تسببت العمليات الإسرائيلية في نزوح أكثر من مليون ونصف المليون لبناني.

الدكتور أحمد رفيق عوض يشير إلى أن هذه الخسائر تمثل جرحا عميقا في الوعي اللبناني، مضيفاً: “العدوان الإسرائيلي الأخير لم يقتصر على البنية التحتية، بل استهدف المدنيين بشكل أساسي، وهو ما يعزز صمود حزب الله وموقفه الرافض لأي اتفاق ينتقص من السيادة اللبنانية”.

وهنا تبرز انعكاسات الاتفاق على الصعيد الإقليمي الذى من المتوقع أن يكون لوقف إطلاق النار في لبنان تأثيرات واسعة النطاق على المستوى الإقليمي. فمن جهة، قد يتيح هذا الاتفاق فرصة لإعادة الاستقرار إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وهو ما يعتبر خطوة ضرورية لضمان فتح المجال الجوي الإسرائيلي واستئناف النشاط الاقتصادي في شمال البلاد.

لكن المستشار يونس السبكي يحذر من أن أي خرق للاتفاق قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. ويضيف: “إسرائيل بحاجة إلى تهدئة الوضع في الشمال لاستعادة توازنها الاستراتيجي، خاصة بعد تورطها في حرب غزة وتوسع عملياتها العسكرية في لبنان”.

كما تظل سيناريوهات المستقبل تحدي قائم أمام تنفيذ الاتفاق، حيث يبرز خطر انهياره في حال استمر التوتر بين الأطراف المعنية. ورغم أن الوسيط الأمريكي يلعب دورا محوريا في تقريب وجهات النظر، إلا أن الالتزام الفعلي ببنود الاتفاق سيظل مرهونا بحسن النوايا من جميع الأطراف.

إن قبول نتنياهو بوقف إطلاق النار في لبنان يعكس إدراكا متزايد بأن الخيارات العسكرية لم تعد كافية لتحقيق الأمن. ومع ذلك، فإن التحديات المحيطة بتنفيذ الاتفاق، سواء من الجانب الإسرائيلي أو اللبناني، تشير إلى أن هذه الخطوة قد تكون بداية مسار طويل ومعقد نحو تحقيق استقرار دائم في المنطقة

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5623

موضوعات ذات صلة

طهران تغازل واشنطن التفتيش مقابل التفاهم

المحرر

غزة بين مبادرة ترامب وتعنّت نتنياهو

المحرر

لا تهجير ولا عطش.. مصر تتصدى بقوة

المحرر

لوس أنجلوس تشتعل.. والمتظاهرون في مواجهة الحرس الوطني

المحرر

ضوء اخضرامريكى لفرض عقوبات على بغداد لتمدد الايرانى

المحرر

صراع الردع يضع المنطقة على حافة مواجهة جديدة

المحرر