يُعتبر مرسي جميل عزيز واحدًا من أبرز الشعراء في تاريخ الأدب العربي الحديث، حيث استطاع أن يترك بصمة واضحة في عالم الشعر من خلال قصائده التي تعكس مشاعر الحب والوطن. وُلد في 15 مارس 1934 بمحافظة الشرقية، وبدأت مسيرته الشعرية في فترة كانت فيها مصر تشهد تحولات اجتماعية وسياسية كبيرة، وقد تميزت أشعاره بالعمق والصدق، إذ تناولت موضوعات متنوعة تتراوح بين الحب والحنين إلى الوطن، مما جعلها قريبة من قلوب الناس.
“صوت البلد” تستعرض في التقرير التالي؛ مسيرة مرسي جميل عزيز الفنية، وأهم أعماله، وتأثيره على الشعر العربي، بالإضافة إلى بعض الجوانب الشخصية في حياته.
من أشهر أغاني مرسي جميل عزيز: “نعم يا حبيبي”، “من غير ليه”، “بأمر الحب”، “بتلوموني ليه”، “في يوم في شهر في سنة”، وقد تميز برؤيته الشعرية الفريدة، حيث كان يسعى دائمًا لتقديم أعمال تعكس الواقع الاجتماعي والإنساني؛ فهو قد استخدم أسلوبًا يجمع بين البساطة والعمق، مما جعله قادرًا على جذب الجمهور وإيصال رسائله بشكل مؤثر. كما ركز على الأسلوب الشاعري الهادىء الممزوج بالعمق العاطفي، حيث استطاع أن يعبر عن مشاعر الحب بصدق وشفافية، وتُعتبر مجموعة “أغاني الحب” من أبرز أعماله التي تناولت موضوعات الحب والعشق والهيام، كما أنه لم تقتصر كتاباته على الشعر الرومانسي فقط، بل كتب أيضًا العديد من القصائد الوطنية التي عكست مدى تعلقه بوطنه؛ ومن أشهرها “يا مصر” وهي من القصائد الشعرية التي تُدرس في المدارس المصرية.
بدأت مسيرته الشعرية في حقبة الخمسينيات، حيث نشر أولى قصائده في المجلات الأدبية؛ لكن انطلاقته الحقيقية جاءت في الستينيات عندما بدأ يُعرف كشاعر متميز في الساحة الأدبية؛ فقد تميزت أشعاره بالأسلوب السهل الممتنع، حيث كان يكتب بلغة قريبة من الناس، مما جعله يحظى بشعبية كبيرة.
تاريخ فني كبير
يقول الناقد الفني، محمد شوقي: مرسي جميل عزيز هو صاحب أجمل وأروع وأشهر أغاني الحب لكبار وأحب المطربين والمطربات في القرن العشرين؛ فهو شاعر العامية المصرية، وهو فارس الأغنية العاطفية… جسدت كلماته التي تغنى بها كبار المطربين أرق المشاعر والأحاسيس، حيث كان شاعرًا غزير الإنتاج الفني، إذ تعامل مع عمالقة الطرب في الزمن الجميل، وفي مقدمتهم كوكب الشرق “أم كلثوم” و”العندليب الاسمر” عبدالحليم حافظ. ولد “عزيز” فى 9 يونيو عام 1921 بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وحصل على شهادة البكالوريا، ثم التحق بمعهد السينما، وحقق بصمة شديدة فى مجال تأليف الأغنية؛ أمتدت إلى نحو أربعين سنة من الإبداع الفني، قدم خلالها ألف أغنية، لذلك لقب بشاعر الألف أغنية.
وأضاف محمد شوقي: كتب أول قصيدة شعرية في عمر الثانية عشرة؛ في رثاء أستاذه، وأذيعت له أول أغنية في الإذاعة عام 1939م ولم يتجاوز الثامنة عشرة ــ بعنوان “الفراشة” ــ لحنها الموسيقار رياض السنباطي، وفي نفس العام؛ انطلقت شهرته عندما كتب أغنية “يا مزوق يا ورد في عود”؛ التي غناها المطرب عبدالعزيز محمود، وكتب مرسي جميل عزيز؛ الأغنية بألوانها المختلفة: العاطفية، الوطنية، الشعبية، الدينية؛ والي جانب ذلك كتب الأوبريت الغنائي والقصة القصيرة وسيناريوهات بعض الأفلام السينمائية، كما كانت له مقالات أدبية في الصحف والمجلات المصرية؛ حتي اعتبره النقاد؛ ظاهرة أدبية وفنية بارزة وفريدة.
وتابع “شوقي”: استطاع مرسي جميل عزيز؛ أن يعبر عن مشاعر الأنثى، ولحظات الحب الصادقة، في كلمات اتصفت بالشعبية الراقية، كما نجح كذلك في تطويع اللغة العربية الفصحى؛ إلى لهجة الحياة اليومية، ونسجها مع الموسيقى الناعمة، فضلاً عن اهتمامه أيضًا بالنزعة الدينية التي كانت واضحة في قصائد وأغنيات كثيرة، حيث برع في كتابة الأغنية الدينية، وقد كتبها بأشكالها وألوانها المختلفة؛ فكرمته الدولة؛ بوسام الجمهورية للأدب والفنون” في عام 1965 باعتباره رائدًا للأغنية الشعبية والوصفية؛ وكفارس للأغنية العاطفية.
سيرة الحب
وأكمل الناقد الفني، محمد شوقي: كتب الشاعر مرسي جميل عزيز أغنيات لكبار المطربين في عصره، مثل كوكب الشرق السيدة “أم كلثوم”؛ حيث كتب أغان رائعة؛ منها: “سيرة الحب”، ”فات الميعاد”، “ألف ليلة وليلة”، وهو ما جعل النقاد؛ يطلقون على تلك الأعمال؛ لقب “ثلاثية الحب”… كما قدم “عزيز” مع عبدالحليم حافظ؛ باقة من أجمل أاشهر أغانيه؛ من أشهرها: ” الليالي”، “اسبقني يا قلبي”، “في يوم في شهر في سنة”، ” ليه تشغل بالك”، ”يا خلي القلب”، “بأمر الحب”، كما كتب له آخر أغنياته ــ “من غير ليه” ــ ولم يمهل القدر “العندليب الأسمر” لغنائها، وقام محمد عبدالوهاب، بغنائها؛ فيما بعد.
كما كتب مرسي جميل عزيز لمحرم فؤاد أغان: ”يا غزال إسكندراني” و”ندم”، وكتب أيضًا لنجاة الصغيرة أغان؛ أشهرها “حبيبى لولا السهر”، بالإضافة إلى غيرها من الأغنيات الناجحة، كما تغنى من كلماته محمد قنديل، وشادية التي غنت من كلماته: ” نور عنية” و”شباكنا ستايره حرير“. وكتب “عزيز” أيضًا أغانٍ لعدد كبير من المطربين والمطربات العرب؛ أمثال وردة الجزائرية؛ التي كتب لها عددًا من الأغنيات؛ أشهرها: “لولا الملامة” و”أكدب عليك ” و”ياخبر”، ولفايزة أحمد أغنية “ياما القمر ع الباب”، و”أنا قلبي إليك ميال”، وغيرها من الأغاني الناجحة، كما تغنت بكلماته المطربة اللبنانية الكبيرة فيروز ــ “سوف أحيا” ــ كما غنى له الموسيقار الكبير فريد الأطرش العديد من الأغنيات.. وتوفى مرسي جميل عزيز؛ إثر إصابته بمرض خطير سافر بسببه إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، وبعد فترة قضاها في المستشفيات الأمريكية، عاد ليموت فوق تراب مصر ودفن في مسقط رأسه.
