شؤون سياسية

الوقت ينفذ أمام طهران واوروبا

يتحرك المشهد الدولي اليوم بوتيرة متسارعة مع اقتراب لحظة الحقيقة في الملف النووي الإيراني. أوروبا ترفع الصوت عالياً وتعلن أن الوقت يداهم الجميع، وطهران تسعى إلى المناورة لتأجيل المواجهة، بينما عقارب الساعة لا تتوقف، وأكتوبر يقترب كموعد فاصل قد يعيد العقوبات الأممية دفعة واحدة عبر آلية الزناد المنصوص عليها في اتفاق 2015.

تتحرك الدبلوماسية الأوروبية بخطوات أكثر حزماً مما مضى. باريس وبرلين ولندن تتحدث الآن بلغة واحدة، لا مجال فيها للتراخي أو التباين، وتؤكد أن استمرار الغموض الإيراني لن يقود سوى إلى إحياء العقوبات الأممية. أوروبا ترى أن أي تساهل مع طهران قد يشعل سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو ما تعتبره تهديداً مباشراً لاستقرارها. ومن هنا يبدو اجتماع الثلاثاء المقبل أشبه بفرصة أخيرة قبل أن يغلق باب التفاوض.

في الوقت ذاته، يقرأ الخبراء المشهد بتقديرات مختلفة، لكنهم يتفقون على أن لحظة الحسم قد تكون أقرب مما يتصور كثيرون. اللواء يونس السبكي، الخبير الاستراتيجي، يؤكد أن أوروبا لم تعد تنظر إلى البرنامج النووي الإيراني كملف تفاوضي بحت، بل كتهديد للأمن الدولي، ويشير إلى أن تعليق طهران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد المواجهات الأخيرة مع إسرائيل أطلق إنذاراً واضحاً بأن الأمور تتحرك في اتجاه عسكري لا يمكن التغاضي عنه. ويضيف أن أي فشل في الوصول إلى اتفاق لن يتوقف عند العقوبات، بل قد يفتح الباب أمام مواجهة إقليمية واسعة تتداخل فيها أطراف عدة، من تل أبيب إلى واشنطن.

في المقابل، ترى الصحفية السياسية رشا فتحي أن طهران ما زالت تراهن على الوقت، فهي تسعى إلى استثمار دعم موسكو وبكين لتجنب العقوبات الأممية، وفي الوقت نفسه تلوح بورقة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، في رسالة ابتزاز للغرب. لكنها تحذر من أن هذه السياسة قد تمنح إيران مهلة قصيرة فقط، بينما في المدى الأبعد قد تقودها إلى عزلة خانقة إذا ما توحد الموقف الأوروبي والأمريكي ضدها. وتوضح أن ما يميز المرحلة الحالية هو وحدة الصف الأوروبي، التي لم نشهدها في مراحل سابقة، وهو ما يعكس إدراكاً بأن انهيار الاتفاق لن يكون خطراً على المنطقة وحدها، بل على النظام الدولي كله.

ومع هذه الضغوط، تحاول طهران أن تترك الأبواب مفتوحة عبر قبول لقاءات جديدة، لكنها في الوقت نفسه تشدد على أن حقها في تخصيب اليورانيوم غير قابل للتفاوض. هذا التناقض يعكس استراتيجية تقوم على اختبار صبر الغرب وإظهار أن إيران لن تخضع بسهولة. إلا أن السبكي يرى أن هذه اللعبة لم تعد مجدية، مؤكداً أن أي اتفاق جديد يجب أن يتضمن رقابة صارمة وضمانات واضحة، لأن التنازلات الجزئية لم تعد كافية، وأي ثغرة ستستغلها طهران لتعزيز قدراتها النووية.

كل المؤشرات الآن تدل على أن اللحظة القادمة ستحدد مصير الاتفاق النووي لسنوات مقبلة. أوروبا تستعد لتفعيل آلية الزناد إذا لم ترَ خطوات حقيقية من طهران، وإيران تدرك أن عودة العقوبات الأممية ستشكل ضربة قاسية لاقتصادها الهش، لكنها في الوقت نفسه تخشى أن التراجع أمام الضغوط قد ينظر إليه كضعف داخلي. وبين هذا وذاك، يظل الترقب سيد الموقف.

المشهد يبدو مفتوحاً على مسارين لا ثالث لهما: إما أن تقدم طهران تنازلات تكفل استمرارها في الساحة الدولية، أو أن تدخل في عزلة غير مسبوقة تقود إلى مواجهة سياسية واقتصادية وربما عسكرية. وفي كلتا الحالتين، يبقى المؤكد أن الأيام المقبلة وحدها ستكشف إن كان السباق مع الوقت سينتهي بتسوية تحفظ الاستقرار، أم بانفجار يعيد المنطقة إلى أجواء أشد خطورة

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5445

موضوعات ذات صلة

صواريخ الحوثي تربك العمق الإسرائيلي

المحرر

قانون أمريكي مرتقب لإدراج الإخوان إرهابيين

المحرر

مجلس الأمن يشتعل وطهران تبحث عن أوراق ضغط

المحرر

نصف مليون سوداني يعودون من مصر للسودان

المحرر

شباب مصر يكتبون المجد من قلب الأقصر

المحرر

طهران تغازل واشنطن التفتيش مقابل التفاهم

المحرر