شؤون سياسية

انتخابات عراقية تحت الهيمنة الإيرانية

من يتابع المشهد السياسى العراقى اليوم يكتشف بسهولة أن الحديث عن انتخابات نزيهة أصبح أقرب إلى الوهم، بعدما تحولت العملية السياسية برمتها إلى أداة تخدم قوى خارجية تقدمها إيران، وتعمل على فرض أجندتها عبر أحزاب تدين لها بالولاء. وفى وقت تتجه فيه البلاد نحو استحقاق انتخابى جديد، تطفو على السطح أسئلة حول معنى الديمقراطية، وهل يمكن أن تمارس فعلا فى بيئة تغيب عنها استقلالية القرار الوطنى وتنتشر فيها شبكات الفساد.

يرى خبراء الأمن أن العراق لا يعيش أزمة انتخابات فحسب، بل أزمة دولة فقدت القدرة على إدارة نفسها من الداخل. اللواء شبل عبد الجواد، رئيس الشرطة العسكرية الأسبق،ورئيس قطاع مكافحه الارهاب بالمنطقه العربية يؤكد أن ما يجرى فى بغداد ليس انتخابات حقيقية، وإنما إعادة تدوير لنفس القوى التى ترعاها طهران. فكل المؤشرات توضح أن المفوضية استبعدت مرشحين مستقلين لحساب تيارات إسلامية مرتبطة بالخارج، وهو تكرار حرفى لتجربة مجلس صيانة الدستور فى إيران

وتكشف المعطيات الميدانية أن القضاء العراقى، الذى يفترض أن يكون صمام الأمان للعملية الديمقراطية، بات جزءا من شبكة السلطة التى تستمد قراراتها من مصالح الأحزاب النافذة. ومع صمت القضاء عن الطعون والتجاوزات، يتأكد أن استحقاق بغداد لا يختلف كثيراً عن انتخابات طهران، حيث يتم فرز الأصوات مسبقا عبر لجان استبعاد وترشيح.

كما يحذر اللواء شبل عبد الجواد من أن استمرار هذه المعادلة لن يؤدى إلا إلى تفاقم الأوضاع الأمنية. فـ العراق يعيش حالة هشاشة، وأى عملية انتخابية لا تعكس الإرادة الشعبية الحقيقية ستؤدى إلى فراغ سياسى قد تستغله جماعات مسلحة داخلية وخارجية. الأمن لا ينفصل عن السياسة، وإذا فقد المواطن ثقته فى الانتخابات فلن يتردد فى البحث عن بدائل قد تقود إلى صدامات جديدة.

صفقات سياسية

أما المستشار السياسى طارق الهوارى فيرى أن الديمقراطية فى العراق فقدت معناها منذ أن أصبح مركز ثقل القرار خارج الحدود. إيران تمسك بخيوط اللعبة من خلال زيارات مسؤوليها، الذين يرسمون خريطة المشهد الانتخابى قبل أن يتوجه المواطن العراقى لصناديق الاقتراع. زيارة على لاريجاني الأخيرة إلى بغداد نموذج واضح، فالحديث الإعلامى عن اتفاقية أمنية لم يكن سوى غطاء لصفقات سياسية تم ترتيبها خلف الأبواب المغلقة

ويضيف الهوارى أن الأحزاب الإسلامية التى تحتكر المشهد تعانى تراجع شعبيتها، ولهذا تلجأ إلى آليات إقصاء الخصوم عبر المفوضية. وما جرى من منع مرشحين بارزين شاركوا سابقا فى العملية الانتخابية، ليس له أى تفسير سوى الخوف من الأصوات المستقلة التى قد تكسر معادلة النفوذ القائم”.

وعلى الرغم من أن العراق لا يمتلك رسميا مجلس صيانة دستور  كالذي يحدد مسار الانتخابات فى إيران، إلا أن الممارسات العملية تكشف عن تطبيق نفس القواعد بحذافيرها. في الإقصاء يتم بقرارات سياسية مقنعة بغطاء قانونى، والتدخل الخارجى يضمن استمرار الولاء لمعادلة السلطة المرسومة.

المستشار الهوارى يلخص الأمر قائلا: العراق بحاجة إلى استقلال قرار سياسى قبل أن يكون بحاجة إلى انتخابات جديدة. طالما أن مفاتيح اللعبة فى يد الخارج، فستظل الصناديق أداة شكلية لا تعبر عن المواطن العراقى، إنما عن الرعاة الإقليمين.

وبينما يحلم الشعب العراقى بدولة حقيقية تعكس إرادته، تأتى المؤشرات لتؤكد أن ما ينتظره فى الاستحقاق المقبل لن يكون سوى نسخة جديدة من تجارب الماضى، انتخابات تدار بآليات إيرانية وتقدم تحت لافتة ديمقراطية، لكنها فى الواقع ليست أكثر من إعادة إنتاج للأزمة ذاتها

المتابعون للشأن العراقى يجمعون على أن الديمقراطية لا يمكن أن تزدهر فى ظل غياب الوعى السياسى وضعف الرقابة المجتمعية، وهو ما يجعل الساحة مهيأة لهيمنة أحزاب لا تؤمن بالتداول السلمى للسلطة بقدر ما تؤمن بضرورة بقاء نفوذها تحت مظلة إيران. وتاريخ الانتخابات السابقة يوضح أن الوعود بالتغيير تنتهى عند لحظة إعلان النتائج، لتبدأ مرحلة توزيع الغنائم بين الكتل الحاكمة

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5073

موضوعات ذات صلة

بغداد فى مرمى نيران الكونجرس الأمريكي

المحرر

صحة النواب تلغي الحبس الاحتياطي للأطباء

المحرر

قمة الرياض وحل الدولتين

المحرر

الذكرى الـ 72 لثورة غيرت تاريخ مصر

المحرر

حين تتحول العمامة إلى سلطة

المحرر

جنون الحرب .. الانتحار والقتل نهايات متباينة

المحرر