شؤون سياسية

حين تتحول العمامة إلى سلطة

لم يكن الدين في العراق يومًا مجرد منظومة عقائدية أو أخلاقية، بل تحول عبر عقود، وخصوصا منذ الغزو الأميركي في 2003، إلى أداة سياسية فعالة في يد الطبقة الحاكمة. المظلومية الشيعية التاريخية التي رواج لها كحقيقة مطلقة، أصبحت الغطاء الأيديولوجي الأهم البرجوازية الدينية الجديدة. هذه المظلومية، كما يراها المستشار القانوني سمير عليوة، لم تعد سوى رخصة مفتوحة اط الاستنزاف الدولة ماديا وثقافية وتوسيع نفوذ رجال الدين والمليشيات الموالية لهم، الذين أعادوا تشكيل السلطة على أسس طائفية تشرع الاستغلال الطبقي.

أداة بيد السلطة

في المشهد السياسي العراقي، كلما تصاعد الاحتقان الاجتماعي أو هددت مطالب العدالة الاجتماعية أسس السلطة، تعود الرموز الدينية تتربع على المسرح، يعاد إحياء المناسبات الدينية كمصدر شرعية وقوة. وهنا، يرى السياسي طارق الهواري أن الدين في العراق لم يخرج بعد من عباءة النظام، بل أصبح امتدادا له، يستخدم لتضليل الفئات الفقيرة عن السبب الحقيقي معاناتهم، وهو الفساد والاستغلال الطبقي، لا المظلومية الدينية

موازنات باسم العقيدة

تشير الأرقام الرسمية إلى أن المؤسسة الدينية في العراق تتلقى أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا من الموازنة العامة. تصرف هذه المخصصات على أنشطة دينية ومواكب ومؤتمرات يعاد من خلالها ضخ خطاب المظلومية الشيعية واقع اجتماعي، بينما تغيب كليا المطالب الحياتية للمواطن البسيط من صحة وتعليم وسكن.

ويضيف عليوة: نحن أمام عملية تدين مدروسة للسياسة، لا تختلف كثيرًا عن آليات عمل الشركات متعددة الجنسيات، ولكن بثوب ديني. الهدف منها هو إعادة إنتاج الطبقية وتحويل الدين إلى مؤسسة قمعية حديثة

حجاب مبكر ودماء مهدورة

مظاهر استغلال الدين في العراق طالت حتى الطفولة، حيث تنظم المرجعيات الدينية مهرجانات لـ لبس الحجاب للفتيات بعمر تسع سنوات تحت عنوان سن التكليف. ويتزامن ذلك مع ظهور جماعات غريبة تروج لأفكار مسيانية خطيرة، مثل أن الصدر هو المهدي المنتظر، أو أن قتل علي بن أبي طالب كان من تخطيط الموساد، كما صرح قيس الخزعلي مؤخرًا.

هذه السرديات الدينية الجديدة، كما يقول طارق الهوارى، تمثل مرحلة أخطر من سابقتها، لأنها لم تعد تكتفي بتحريك الطائفة عبر الخطب، بل دخلت طور التهيج الجمعي واستدعاء الطقوس التاريخية في قالب خرافي، لا هدف له إلا تغطية فشل السلطة.

المرأة ضحية النص

يمكن اعتبار المادة (57) من القانون العراقي نموذجا حيا لما يسميه عليوة التشريع العقائدي للهيمنة الطبقية هذه المادة تسلب المرأة حق حضانة طفلها وتمنحه للأب بمجرد الانفصال، بما يعني فعليًا إرغامها على البقاء في زواج لا ترغب فيه. هذا التشريع، كما يوضح عليوة، لا يستند إلى مصلحة الطفل أو حقوق المرأة، بل إلى فقه ديني تم إقحامه في القانون، ليعزز السلطة الذكورية التي هي أحد أذرع النظام الطبقي.

أسلمة ممنهجة

الواقع العراقي يشهد حاليًا موجة جديدة من الأسلمة الشيعية والتي أعقبت الهزات التي ضربت النظام بعد انتفاضة تشرين. يقول الهواري ما يجري ليس عودة للإيمان، بل إعادة إنتاج مشروع سياسي يربط الدين بالهوية القومية والمذهبية، ويفرض على المجتمع سردية وحيدة لا يمكن الطعن فيها دون الاتهام بالكفر أو الخيانة

فقر يُغلفه الدين

في عمق الأزمة، يختفي السبب الحقيقي لتفشي الفكر الغيبي والديني المتطرف: الفقر. الأزمات الاقتصادية المتكررة، وانهيار البنية التحتية، وتفشي البطالة، جميعها عوامل جعلت الدين الملاذ الوحيد للمواطن العراقي. يعلق سمير عليوة: الناس لا تلجأ إلى الدين حبا دائمًا، بل خوفا ويأسًا، لأن البديل  العدالة الاقتصادية  تم سحقه تحت فتاوى السلطة

خطاب موجه

قادة السلطة الدينية مثل الخزعلي والصدر وغيرهم، يسعون لإبقاء الصراع في المجتمع محصورا في إطار ديني أو طائفي. لا يسمح بنقاش اقتصادي أو طبقي، ولا يقبل بتفكيك مفاهيم مثل “الظلم التاريخي من منظور اجتماعي. وهنا يرى الهوارى أن الطبقة الحاكمة تعي جيدًا أن فتح باب الوعي الطبقي يهدد أرباحها، لذلك تحصر الناس في جدالات حول من قتل من قبل ألف عام، بدلا من سؤال: لماذا لا توجد مدارس أو مستشفيات أو وظائف

المستقبل مرهون التنوير

لا يمكن  كما يقول ماركس  تحرر الإنسان دون امتلاكه لأبسط مقومات الحياة. لذا، فإن استمرار استغلال الدين في العراق لن ينتهي بإلغاء قانون أو تجفيف موارد الميليشيات فقط، بل بتوفير بديل اقتصادي وإنساني حقيقي، يشعر فيه المواطن بكرامته بعيدًا عن سلطة العمامة.

ويرى  عليوة ان الدين، حين يستخدم سياسيا، يصبح أكثر خطورة من أي سلاح. والحل ليس في مهاجمته أخلاقيا، بل في بناء دولة عادلة لا تحتاج إلى الدين لتبرير وجودها، ولا يلجأ فيها المواطن إليه بحثا عن العزاء، بل عن المعرفة فقط

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5499

موضوعات ذات صلة

اهتمام أمريكي غير مسبوق بملف الرهائن

المحرر

لجنة السويداء: حساب مؤجل أم عدالة منتظرة

المحرر

شباب مصر يكتبون المجد من قلب الأقصر

المحرر

لبنان على شفير الفتنة الطائفية بسب الفارين من الحرب

المحرر

مد العمل بقانون المنارعات الضريبية

المحرر

الذكرى الـ 72 لثورة غيرت تاريخ مصر

المحرر