شؤون سياسية

روسيا تعود من بوابة أفريقيا: أمن ومكانة عالمية

في قلب قارة تتقاطع فيها المصالح وتتنافس فيها القوى الكبرى، تتحرك روسيا بخطى مدروسة لتثبيت أقدامها من جديد في أفريقيا. لم تعد موسكو تكتفي بالظهور الرمزي أو المبادرات الدبلوماسية المتفرقة، بل تتبنى الآن استراتيجية أكثر وضوحا وجرأة، تتقاطع فيها السياسة مع الدفاع، والأمن مع الاقتصاد، والرغبة في التمدد مع البحث عن الشرعية الدولية

في الحاضر، تعيد روسيا تقديم نفسها لشعوب القارة كشريك في معركة مكافحة الإرهاب، وتمنح الأولوية للتعاون الأمني والعسكري، ليس فقط عبر إرسال السلاح والمدربين، بل من خلال تشكيلات شبه عسكرية كـ فيلق أفريقيا، الذي ورث أدوار فاغنر بعد خروجها من مالي. ولا تخفي موسكو طموحها في توسيع نفوذها، فهي تؤكد أن التعاون يشمل مجالات حساسة مثل الدفاع والأمن وهي عبارة مفتاحية تترجم على الأرض بتعزيز الحضور العسكري الاستخباراتي في دول الساحل، مستفيدة من انسحاب فرنسا وأمريكا، ورفض قطاعات من الرأي العام الأفريقي لاستمرار الهيمنة الغربية.

روسيا، التي تراهن على دبلوماسية الذاكرة تستحضر في خطابها الميراث الاستعماري للغرب، لا تخاطب فقط حكومات المنطقة، بل شعوبها أيضًا. تعزف على أوتار السيادة الوطنية، وتوظف الانقلابات العسكرية وموجات التمرد لتقوية تحالفات مع السلطات الانتقالية، كما في مالي، بوركينا فاسو، والنيجر. وفي كل مرة تخرج فيها قوة غربية من دولة أفريقية، تكون موسكو في المقدمة لملء الفراغ، سواء من خلال السلاح، أو المدربين، أو حتى عبر الدعم السياسي في المحافل الدولية.

وتدرك موسكو أن حضورها الأفريقي لا يجب أن يكون عسكريا فقط. فالهدف الأعمق هو استعادة مكانتها كقوة عالمية فاعلة في نظام دولي متعدد الأقطاب. لذلك، تسعى إلى بناء شبكة علاقات استراتيجية تدعم موقفها في الأمم المتحدة وتكسر عزلتها الناتجة عن حرب أوكرانيا. ومن ثم، فإن تحالفها مع الجزائر، أنغولا، مصر، وغينيا الاستوائية ليست فقط لتسويق السلاح، بل لبناء جبهة سياسية تساندها دوليا.

 

أما “فيلق أفريقيا”، القوة التي باتت رمزا للنفوذ الروسي الجديد، فقد والد من رحم التجربة الفانغز، لكنه الآن يعمل تحت مظلة رسمية أو شبه رسمية مرتبطة بوزارة الدفاع الروسية. وبحسب تقارير صحفية غربية، فإن أكثر من 70٪ من عناصره هم من بقايا “فاغنر”، مما يشير إلى رغبة الكرملين في استثمار القدرات القتالية السابقة وتوجيهها في مسارات أكثر انتظامًا وفعالية.

وفي المستقبل، تتجه روسيا نحو ترسيخ هذا الحضور من خلال اتفاقيات طويلة الأمد، وقواعد تدريب عسكرية، وتوسيع قواعدها اللوجستية البحرية والجوية في نقاط استراتيجية على السواحل الشرقية والغربية للقارة. وربما تسعى قريبًا لبناء تحالفات اقتصادية متوازية تدعم هذا التمدد الأمني، عبر مشاريع بنية تحتية، واتفاقات لتصدير الطاقة، وتبادل تجاري يبقى العلاقة قائمة على المنفعة المتبادلة.

ومن جهة أخرى، لا تتوقف موسكو عند حدود الدول الناطقة بالفرنسية أو المتأثرة النفوذ الأوروبي التقليدي، بل تطرق أبواب دول مثل غينيا الاستوائية، الدولة الغنية بالنفط والتي تديرها عائلة حاكمة منذ أكثر من أربعة عقود. فهنا لا تتردد روسيا في تقديم نفسها كحارس للمصالح المحلية، عبر إرسال المدربين وتقديم الدعم التقني لحماية النظام السياسي القائم.

 

ومع تصاعد الدور الروسي، يتزايد قلق الغرب، الذي بدأ يشهد تراجعا ملموسا في تأثيره، لا سيما بعد إعلان انسحاب القوات الأمريكية من النيجر، ما يفتح الباب أمام موسكو لتعزيز موقعها دون مقاومة تذكر. وقد تنعكس هذه الديناميكيات مستقبلا على موازين القوى في مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، ما يمنح موسكو أوراق ضغط إضافية في ملفات دولية شائكة.

ويرى المحلل السياسى طارق الهوارى أن أفريقيا اليوم بالنسبة لروسيا ليست فقط ساحة نفوذ مؤقت، بل منصة لإعادة التموضع العالمي. هي قارة الموارد والممرات الحيوية، وقارة التحولات السياسية المتسارعة. ومع كل قاعدة أمنية جديدة، وكل اتفاق تعاون دفاعي يوقع، تقترب موسكو خطوة إضافية نحو هدفها الأكبر: العودة إلى المسرح الدولي كقوة عظمى لا يمكن تجاهلها

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5490

موضوعات ذات صلة

الذكرى الـ 72 لثورة غيرت تاريخ مصر

المحرر

طهران تشتعل غضبا من خيانة موسكو

المحرر

أوروبا.. الغائب الأكبر في معادلة الحرب الأوكرانية

المحرر

قانون التصرف في أملاك الدولة.. ماهو أثره ؟

المحرر

اعلان عباس بحق إسرائيل سيؤدى للمزيد من الاستيطان

المحرر

انتخابات عراقية تحت الهيمنة الإيرانية

المحرر