
في المشهد الأدبي العربي، تبرز أقلام لا تخشى الغوص في الأعماق الإنسانية الأكثر تعقيداً وألماً، حاملةً على عاتقها همّ التعبير عن صوت المهمشين والمنسيين. الكاتبة السورية ريتا بربارة هي إحدى هذه الأقلام الواعدة، التي تتميز بقدرتها على نسج عوالم روائية تلامس الوجدان وتستفز الفكر. روايتها الأحدث، “اسمي أميرة ولقد نجوت”، ليست مجرد سرد قصصي عابر، بل هي صرخة مدوية في وجه الظلم، وشهادة حية على قوة الروح البشرية في الصمود والتحدي. يغوص هذا العمل في قضايا حساسة ومحورية، مانحاً الأمل لمن يظن أن درب النجاة مستحيل. في هذا الحوار، نلتقي بالكاتبة بربارة لتكشف لنا خبايا “أميرة”، وتشاركنا رؤيتها حول الأدب كأداة للتوعية والتمكين.
“اسمي أميرة ولقد نجوت” عنوان يشد الانتباه بقوة ويحمل نبرة شخصية جداً. هل “أميرة” شخصية حقيقية أم أنها رمز لقصص كثيرة؟ وما هي طبيعة “النجاة” التي تتناولينها تحديداً في الرواية؟
ما الفرق ان اجبتك بأنها شخصية حقيقية أو رمز لقصص كثيرة؟ والقصص أساسا من أين تأتي؟ أليست هي افكار مستمدة من الواقع الذي نعيشه؟ إذاً لا يهم حقيقة وجود أميرة أو رمزيتها، إنما المهم هو ما تمّ طرحه من خلال مسيرتها الواقعية والرمزية في ذات الوقت، وبالنسبة للنجاة التي أتحدث عنها في الرواية فهي تحمل عدة محاور، أهمها أن تستطيع العودة إلى ذاتها، وأن تستعيد صوت الحق و الطمأنينة، وأن تنجو بروحها و جسدها إلى عالم مليء بالحب بعيداً عن كل استغلال أو تعنيف أو شذوذ، حيث تتناول الرواية قضايا حساسة ومؤلمة .
تتناول الرواية قضايا حساسة ومؤلمة غالباً ما يتم التكتم عليها. ما هو الحدث المحوري أو القضية الأساسية التي تدور حولها أحداث “أميرة”؟
القضية الأساسية التي تدور حولها الرواية هي صراع الإنسان بين الخوف والايمان، بين الألم و النجاة. القضية ليست فقط عن تجربة معينة بل قدرة الإنسان حول الرحلة النفسية والروحية التي تقوده نحو التحرر من القيود الداخلية والخوف؛ فالنص يحمل طابعاً قوياً من التحدي والصمود؛ كما يوحي العنوان.
النص يوحي بطابع قوي من التحدي والصمود، كما يشير العنوان. ما هو مصدر الإلهام الرئيسي الذي دفعك لكتابة قصة تبرز هذه القوة في مواجهة الصعاب؟
ببساطة إن مصدر الإلهام لهذه الرواية هو الشارع متمثلاً بالمجتمعات التي نعيش بها بالرغم من كل التشوهات المتجذرة فيه.
في بناء شخصية “أميرة”، هل اعتمدتِ على أبحاث معمقة أو مقابلات مع ناجين من تجارب قاسية، أم أن القصة نابعة في الأساس من ملاحظاتك للحياة المحيطة بك؟
الاثنان معا؛ فلقد قرأت العديد من الدراسات التي ساعدتني في بناء أحداث وتفاصيل روايتي؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر مرض السرطان، السادية والشذوذ الجنسي، عملية ترقيع العذرية وما يتبعها؛ بالإضافة إلى لقاءات عديدة مع ناجيات يشبهن أميرة وحديثهن عن تجاربهن المؤلمة، ولا يخلو الأمر بكل تأكيد من ملاحظاتي للحياة و كل الأحداث والشخصيات المحيطة بي والاستفادة منها.

ما هي المشاعر التي تتوقعين أن يختبرها القارئ أثناء تتبعه لرحلة “أميرة”؟ وهل تهدف الرواية إلى العلاج أو التوعية بقدر ما تهدف إلى السرد الأدبي الممتع؟
لا أستطيع أن اتوقع المشاعر التي سيختبرها القاريء، قد يكون تعاطفاً أو قلق و توتر، وأحياناً غضب وحيرة، وقد يكون دهشة وانجذاب للخط الروحاني الذي عاشته سواء في الأمور الإيمانية، لكنني أجزم أن القارىء سيخرج بجرعة كبيرة من التعاطف والتفهم الإنساني لطبيعة الخوف والوحدة. أما عن هدف الرواية فهي عمل سردي ابتداءً من الكتابة واللغة وبناء الشخصيات، لكن من الطبيعي أن تترك أثراً متفاوتاً لدى القراء؛ فبعضهم يراها تجربة شفاء، وآخرون فرصة للتأمل وإعادة التفكير، لكن يبقى الهدف الأساسي، هو تقديم أدب صادق يحفز القاريء على طرح أسئلة عديدة كانت بمثابة تابوهات.
في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها عالمنا العربي، هل ترين أن رواية مثل “اسمي أميرة ولقد نجوت” يمكن أن تقدم جرعة من الأمل أو الدعم النفسي للقراء الذين يواجهون تحديات؟
هدفي هو تسليط الضوء على قضايا تشوه مجتمعنا وتخرب عقول الأجيال القادمة. وإن كان نجاة أميرة في النهاية يقدم جرعة أمل.
بالمقارنة مع أعمالك السابقة، كيف تمثل “اسمي أميرة ولقد نجوت” مرحلة جديدة أو تحولاً بارزاً في مسيرتك الأدبية وأسلوبك السردي؟
إنها مرحلة مختلفة تماماً عن مسيرتي الأدبية. إنها المرة الأولى التي اكتب فيها بعيداً عما حدث في سوريا وتلك الحرب اللعينة. إنها المرة الأولى التي سمحت لنفسي من خلالها أن أسير في اتجاه آخر، اسلط من خلاله الضوء على بعض المجتمعات المليئة بالتشوهات، والمريضة نفسياً وغير قادرة على حماية أبنائها. روايتي لا تمثل بالنسبة لي عملاً جديداً؛ بقدر ما هي مرحلة من النضج في الكتابة، لقد شعرت بها وأتمنى أن تكون صحيحة. أما عن التعامل مع الجانب العاطفي أثناء الكتابة فالأمر ليس بسيطا؛ فأنا أحاول وضع حدود داخلية كي لا أذوب في ألم الشخصية، حيث أحاول جاهدة، تحقيق التوازن بين التماهي والوعي، وبين الانغماس في التجربة وبين المحافظة على قدرة السرد. أما على المستوى الشخصي، فبالطبع إن القصص تترك أثراً كبيراً بداخلي؛ فلا يمكن للكاتب؛ الكتابة عن الألم دون أن يلامسه من الداخل، لكن بالرغم من ذلك فإن التعب العاطفي يمنحني إحساساً، بأن تحويل الألم إلى فن هو شكل من أشكال الشفاء.
برأيك، كيف يساهم الأدب في منح صوت لمن لا صوت لهم، لاسيما أولئك الذين يحملون قصص “نجاة” مشابهة لقصة أميرة؟
عندما نسلط الضوء على تابوهات ممنوع الكشف عنها، لكن من خلال الأدب، نحطمها ونعيد تشكيلها لو أمكننا ذلك؛ فالأدب ليس مجرد حكاية يكتبها الكاتب بل هو جزءاً من الذاكرة الإنسانية المشتركة، تطمئن من مروا بتجارب مشابهة، بأنهم ليسوا وحدهم، حينها يتحول الأدب من فعل الشهادة إلى فعل الحماية.
ما هي رسالتك الأهم التي تودين إيصالها من خلال “أميرة” إلى كل امرأة أو شخص يمر بتجربة صعبة حالياً؟
رسالتي كانت بمثابة صرخة أُطلقها من خلال روايتي لأقول لكل امرأة، بأنها قوية تستطيع أن تغلب كل الصعوبات التي تكبلها لتتنفس من جديد دون خوف، فلابد من الاصرار للوصول إلى طريق النجاة.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتك ككاتبة عربية في نشر هذا النوع من القصص الجريئة؟
أكبر تحدي كان الإحساس بالمسؤولية لما تطرحه روايتي من أسئلة يخاف البعض الاقتراب منها، كالايمان، الخوف، النجاة من الصدمات النفسية وطرق علاجها. كذلك هناك تحدي من نوع آخر، و هو دور الكتاب الورقي الذي بدأ ينخفض عما كان في السابق بسبب انتشار الكتب الإلكترونية، ولا يخفى على أحد معاناة الكاتب في النشر ودفع التكاليف لدار النشر وهو يدرك تماماً بأنه لن يحظى بمردود مادي. لكن لإيمانه بقيمة الكلمة والورق، فإنه يُصر على الاستمرار.
ماذا تقولين لقراء جريدة “صوت البلد” ولمحبيك الذين ينتظرون جديدك دائماً؟
أتوجه بالشكر الكبير والامتنان العميق لجريدة “صوت البلد”، لاهتمامها بالأدب والأدباء، فلا يسعني إلا أن أقول لكم، محبتكم موصولة.
