ثقافة وأدب

شومان: جائزة الدولة للتفوق تكريم لمسيرة 40 عاما

عند الحديث عن الشعر الشعبي، لا يمكن تجاهل تجربة الشاعر والباحث مسعود شومان، الذي حوّل القصيدة إلى نبض حي للناس والذاكرة. لقد كان مشروع شومان الثقافي بمثابة مشروع متجدد لاستعادة ما نُسي من وجدان المصريين، مستلهمًا من الموروث الشعبي.

بعد عقود من الإبداع المتواصل والعمل الميداني في أقاليم مصر، تُوجت مسيرة شومان بحصوله على جائزة الدولة للتفوق. هذا التكريم لم يكن سوى اعتراف بمسيرته التي جمعت بين القصيدة والعمل المؤسسي، وبين الكلمة والسعي للحفاظ على التراث الشعبي من النسيان.

في هذا الحوار، تقترب “صوت البلد” من تجربة شومان الشعرية والإنسانية، وتستعرض معه تحولات القصيدة العامية، وعلاقته بجغرافيا الناس. كما يسلط الحوار الضوء على قيمة الجائزة بالنسبة له، ورؤيته للثقافة الشعبية ودور الشاعر في الوقت الراهن:

–         ماذا تعني لك هذه الجائزة على المستوى الشخصي والإبداعي؟

  تمثل الجائزة اعترافًا من الجمهور والمثقفين والرواة الشعبيين، كما أنها اعتراف رسمي بجهد ومسيرة شعرية وبحثية امتدت لأربعين عامًا. خلال هذه الفترة، تنوعت أعمالي بين الشعر، وكتابة الأغنية، ونقد وتوثيق العامية المصرية والعربية، بالإضافة إلى الدراسات الفولكلورية والأنثروبولوجيا. الجائزة أيضًا تمنحني أملًا جديدًا لاستكمال مسيرتي التي لا تزال الأحلام تحاصرها بالأفكار والمفارقات الشعرية المتمردة.

 ضربة جزاء ضائعة

–         هل ترى أن هذه الجائزة تأخرت؟ وكيف استقبلها الوسط الثقافي؟

  أؤمن بأن كل شيء يحدث في وقته، وعلى المبدع أن يقتنص الفرحة متى أتت. لذلك، لا أرى أن الجائزة تأخرت. ربما كان هناك منافسون يستحقونها أكثر مني، أو ربما فضّلت اللجنة التنوع، ورأت أن هناك من هم أكبر مني سنًا وإنجازًا. وفي النهاية، هذا رأي اللجنة، والجوائز جزء من قدرك الأدبي. هناك جوائز تأتي وأنت لست بحاجة لها، لكن هذه الجائزة جاءت في وقت أنا في أمس الحاجة إليها، خاصة أنني على وشك التقاعد.

  أنا أعتبر أي شيء جميل يحدث في الحياة بمثابة “ضربة جزاء ضائعة” حين تُسجل في المرمى؛ لذا، يجب اغتنام الفرحة. أنا لا أعمل من أجل الجوائز، ولكن عليّ أن أُقدم محاولات لتنبيه القراء والوسط الثقافي إلى أنني أمتلك مشروعًا إبداعيًا وبحثيًا، وكلاهما وجهان لشخصيتي. هناك مكسب آخر من التقدم للجائزة، وهو أن أعمالك تُقرأ من قِبل لجنة تحكيم تتكون من كبار الكتاب والنقاد.

تأثير الأم والجد

–         إلى أي مدى ترى أن الجوائز تؤثر على الشاعر أو المثقف والمجتمع؟

الجوائز تدعم المبدع معنويًا وماديًا، وتفتح آفاقًا جديدة لقراءة أعماله. هناك جمهور واسع يتابع الأدباء الحاصلين على الجوائز. الجائزة تُغير الصورة الذهنية للمبدع، وتدفع البعض لإعادة قراءة أعماله، وتلفت انتباه النقاد إلى تجربته الإبداعية.

–         من الذي ألهمك أكثر في الكتابة؟

  لا أؤمن بمقولة الإلهام، ولكن هناك سياقات متعددة ساهمت في تشكيل بذرة الإبداع لدي. أولها أنني ولدت في مدينة “متريفة” الريفية لأم حافظة للتراث الشعبي، وجد من مريدي الأولياء كان يصحبني إلى الموالد الكبرى. بالإضافة إلى السياقات الاجتماعية والثقافية التي كان لها الفضل في تعرفي على الكتب والقراءة، بداية من الاستماع للحكايات الشعبية وممارسة الألعاب الشعبية، ثم التعلم والتركيز في القراءة.

الشاعر مسعود شومان

–         لك باع طويل في جمع التراث الشعبي والفلكلور… كيف تداخل هذا مع تجربتك الشعرية؟

  البحث الميداني يُقدم العالم للشاعر. الباحث يرى ويُدقق ويَجمع، بينما الشاعر ينتبه للعمق التراثي، فيتنفس الجمال ويدرك تفاصيل البشر وفنونهم وتنوعهم الثري. تداخلت تجربتي الشعرية مع عناصر التراث والمأثور الشعبي بطريقتين: الأولى انتمائي لأبناء الجماعة الشعبية ونشأتي في مجتمع غني بهذه العناصر، والثانية هي مشاهداتي ومعايناتي لعدد كبير من الظواهر الفولكلورية التي تُعد مصدرًا ثريًا للاستلهام والتوظيف في زمن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.

–         هل ما زال للشعر الشعبي والموروث الشفاهي مكان في حياة الأجيال الجديدة؟

  بعيدًا عن النظرة الدونية التي تضع الثقافة الشعبية في مرتبة متدنية أو على هامش الدرس الأكاديمي، وبغض النظر عن قلة الدراسات الميدانية التي تهتم بالعقلية الشعبية وآليات تفكيرها، فإن إبداع الجماعات الشعبية يشكل جزءًا جوهريًا في الثقافة المصرية، ويمثل عنصرًا أصيلًا في مواجهة التبعية الثقافية التي تروج لها الأسواق الإلكترونية. هذه الأسواق تُعلي من قيمة الثقافة الاستهلاكية على حساب ما يُسمى بالصناعات الثقافية والإبداعية. مصر تمتلك كنوزًا ثقافية متجذرة في تربتها، وتشتمل على الفنون الأدائية التي يمكن استثمارها محليًا وعالميًا. تمتلك مصر عددًا من “الكنوز البشرية الحية” التي تُعد تمثيلًا حيًا لعمق الهوية الثقافية. على الأجيال الجديدة أن تستعيد كنوز أجدادها وإلا فقدت جزءًا مهمًا من أسباب وجودها.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=428

موضوعات ذات صلة

خبراء ودبلوماسيون: مصر ستظل الحصن المنيع للأمة العربية

المحرر

صوت الذكريات في نوستالجيا لوحات ديانا

المحرر

نداهة أصيل .. ترجمة ذات تتوق إلى النور والانتماء

المحرر

مثقفون يقدمون روشتة للارتقاء بالذوق العام

المحرر

الشخصية المصرية في ندوة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب

المحرر

الملك لير يصارع أقداره من جديد على خشبة المسرح

المحرر