شؤون سياسية

ضوء اخضرامريكى لفرض عقوبات على بغداد لتمدد الايرانى

في كواليس السياسة الأمريكية، لم تعد واشنطن تنظر إلى العراق باعتباره حليفا هشا يمكن إصلاحه تدريجيًا، بل بات كثيرون في الكونغرس يرونه بلدا خاضعا بشكل شبه كامل لإيران، لا سيما مع تصاعد النفوذ الإيراني سياسيا وأمنيا واقتصاديا داخل مؤسسات الدولة العراقية. هذا التحول في النظرة دفع اثنين من أبرز النواب الجمهوريين إلى إطلاق دعوة غير مسبوقة لتجميد كافة المساعدات الأميركية الموجهة لبغداد، باعتبار أن كل دولار ينفق هناك ينتهي به المطاف في خدمة المصالح الإيرانية.

الرسالة التي بعث بها النائبان جو ويلسون وغريغ ستيوب إلى وزير الخارجية الأمريكي لم تكن مجرد بيان سياسي، بل تحمل في طياتها مؤشرات واضحة على تحرك داخلي واسع النطاق لإعادة رسم العلاقات مع العراق، ووضع شروط صارمة لأي تعاون مستقبلي. كان واضحا أن الجمهوريين، الذين يتصدرون الخطاب المتشدد ضد إيران، يهيئون الأجواء لتغييرات قد تكون جذرية في السياسة الأمريكية تجاه بغداد، معتبرين أن دعم حكومة تدار من طهران ليس فقط خيانة لتاريخ التضحيات الأميركية هناك، بل أيضًا تهديد مباشر للمصالح الأمريكية في المنطقة.

لكن المسألة تتجاوز التوترات السياسية، فالمشهد العراقي اليوم يظهر دولة مثقلة بالتدخلات الإيرانية، من تشكيل الحكومات واختيار الوزراء، إلى هيمنة اقتصادية واضحة عبر الشركات الإيرانية ومشاريع الطاقة والبنية التحتية. المشهد يكتمل بسيطرة أمنية واسعة النطاق تمارسها فصائل موالية لطهران، بعضها متهم صراحة بتنفيذ هجمات ضد القواعد الأمريكية، دون أن تتخذ بغداد موقفا حازما يطمئن واشنطن.

في نظر أصحاب القرار الأميركي، بات من المستحيل فصل الأمن العراقي عن أجندة الحرس الثوري الإيراني، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه إلى الأبد. ومن هنا جاءت الدعوة لتجميد المساعدات كخطوة أولى في سلسلة إجراءات قد تشمل فرض عقوبات على مسؤولين عراقيين أو حتى إعادة تقييم الوجود العسكري الأميركي نفسه على الأراضي العراقية.

لكن التحول الحقيقي قد يبدأ في المستقبل القريب، إذ تعمل بعض الدوائر في الكونغرس البنتاغون على إعادة رسم خارطة النفوذ داخل العراق، من خلال تعزيز العلاقات مع القوى المدنية والمعتدلة داخل البرلمان العراقي، ودعم مؤسسات أمنية لا تخضع لهيمنة الفصائل المسلحة، في محاولة لاستعادة التوازن وكبح طموحات طهران.

الولايات المتحدة، التي لطالما حاولت فصل العراق عن إيران بالحوار والدعم التنموي، تبدو اليوم ماضية في نهج أكثر صرامة، ربما يقود إلى مواجهة سياسية مفتوحة مع بغداد، ما لم تتحرك الأخيرة للحد من هذا التغلغل. وفي حال تجاهلت الحكومة العراقية هذه التحذيرات، فإن واشنطن قد تتجه فعلاً نحو فرض عقوبات تشمل ملفات الطاقة والتعاون الأمني، بل وربما تعيد النظر في كل وجودها الاستراتيجي في بلاد الرافدين.

العراق، الذي يحاول منذ سنوات إعادة بناء نفسه على أنقاض حرب طويلة، يبدو اليوم أمام اختبار وجودي، ليس فقط في علاقته مع أميركا، بل في هويته السيادية ومساره السياسي. هل ينجح في التوازن بين جواره الإيراني و تحالفه الأمريكي؟ أم أن الانزلاق الكامل نحو أحد الطرفين سيجعل منه ساحة صراع دائم

المراقبون في بغداد يعلمون أن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل، فإما إعادة ضبط البوصلة الوطنية، أو مواجهة عزلة دولية تدريجية قد تبدأ بالعقوبات ولا يعرف أين تنتهي. وعلى وقع هذا التحرك الأميركي المتصاعد، ستكون الأشهر القادمة حاسمة في تحديد شكل العلاقة بين البلدين، ومستقبل العراق نفسه

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5514

موضوعات ذات صلة

ليبيا : ميليشيات طرابلس بين الفوضى والسيطرة

المحرر

لماذا تحرق قوات الدعم السريع جثث الموتى؟

محمود كرم

اسرائيل وخطط التوسع فى العمليات البرية فى لبنان

المحرر

الوقت ينفذ أمام طهران واوروبا

المحرر

صواريخ الحوثي تربك العمق الإسرائيلي

المحرر

صحة النواب تلغي الحبس الاحتياطي للأطباء

المحرر