ثقافة وأدب

د. محمد حسن : مفردات الحضارة الإسلامية تواجه العولمة

الدكتور محمد حسن هو باحث أول بمركز دراسات الخطوط بمكتبة الإسكندرية، وهو مدرس لمادة الخط الوثائقي والمخطوط بجامعة الإسكندرية، ومعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية. كما شارك في تألف كتاب “ديوان الخط العربي في مصر في عهد محمد علي”، وكتاب سيرة العميد – الخطاط سيد إبراهيم”.

وفي حوار أجرته معه “صوت البلد”، قال حسن: إن الخط العربي يمثل الهوية الثقافية للأمة العربية والإسلامية، لأنه يجمع بين العلم والدين والثقافة، ويُعد وسيلة لترسيخ القيم الدينية والتاريخية، كما أنه حجر أساس في وجه تحديات العولمة، ومحاولات الصهر بالمنطقة العربية.

وتحدث باستفاضة عن أنواع الخطوط وماهية الخط العربي وتصنيفه كفن أو علم، وكذلك أشار إلى طرق دعمه وتطويره ليتواكب مع السياقات الحديثة مع الحفاظ على تاريخه الغني، مثمنًا خطوة تسجيل الخط العربي على قائمة التراث الإنساني غير المادي بمنظمة “اليونسكو”، لأهميته التي تكمن في كونه أداة فنية وتعبيرية تخدم لغة القرآن الكريم، وتعكس جمال الفكر العربي والإسلامي.. وإلى نص الحوار..

بدايةً.. هل يُعد الخط العربي فنًا أو فرعًا من فروع المعرفة والعلم؟
يمكن القول إن الخط العربي يجمع بين العلم والفن. فهو ليس مجرد أداة كتابة بل يتطلب معرفة دقيقة بالأبعاد وعملية الاستمداد بالحبر، وصناعة الورق والزخرفة بالذهب، والزوايا والنسب الفاضلة التي تم وضعها منذ العصر العباسي وتطورت في العصر المملوكي وازدادت جمالا في الفترة العثمانية، ثم تحولت وظيفياً في العصر الحديث، مما يجعله فرعًا من فروع الفن والرياضيات والهندسة والفن التطبيقي.

وما هي أنواع وأشكال الخط العربي؟
تتحدد أنواع الخط العربي حسب البعد الجغرافي والجمالي والوظيفي، فالخط العربي له العديد من الأنواع والأشكال التي تطورت عبر العصور، ومنها الخطوط المستخدمة في كتابة المصحف الشريف، مثل الخط النسخ بأنواعه بين المشرق والمغرب، وأول خطوط المستخدمة في الوثائق مثل الديواني والإجازة والتواقيع والرقاع. ومن أبرز هذه الأنواع: الخط الكوفي، وهو يتميز بزواياه الحادة وأبعاده الثابتة، ويعود إلى فترة الفتوحات الإسلامية، وهو يعتبر الصورة المتطورة من الخط الحجازي. والخط الكوفي يؤكد على سماحة الإسلام فكل قطر عربي وإسلامي له نمطه الخاص في الخط الكوفي وكل دوله تعاملت مع الخط الكوفي بمفهوم جمالي خاص بها. أما خط النسخ فهو من أكثر الأنواع استخداماً في الكتابة اليومية، ويتميز بالسهولة والوضوح، لذلك تم استخدامه في كتابه المصحف الشريف بدايةً من القرن الثالث والرابع الهجري. وترى الآراء التاريخية أنه خط متطور من خطوط الكتابات على أوراق البردي العربية. ويُستخدم الخط الديواني غالباً في الكتابات الرسمية، حيث يتميز بتداخل الحروف وتنسيقها بشكل فني، وهو من أجمل الخطوط العربية التي تستخدم حاليًا في كتابة شهادات التخرج ودعوات الأفراح، وقد شهد تحول من استخدامه الوظيفي في الوثائق إلى الكتابة اليومية في العصر الحديث. ويعتبر خط الثلث من أرقى أنواع الخطوط، ويستخدم في الزخارف القرآنية على المساجد الأثرية، بدايةً من العصر المملوكي، مروراً بالعصر العثماني حتى العصر الحديث، وهو من أصعب أنواع الخطوط العربية وأجملها. أما الخط الفارسي فيستخدم في كتابة الأدب الفارسي وله طابع خاص، وكان للعرب لهم بصمة خاصة لهذا الخط بابتكار أنماط جمالية مميزة له. ويتميز خط الرقعة بكونه سريع وسهل، ويستخدم في الكتابات اليومية، وهو الذي تطور من خط الرقاع الذي كان سائداً في العصر العباسي، وهو من الخطوط الأساسية التي يتعلمها طلاب المدارس في المراحل الدراسية الأولى.

ماذا عن أهمية الخط العربي كتراث غير مادي؟
يُعتبر الخط العربي هو ضمير الحضارة العربية الإسلامية، فملايين المخطوطات قد دونت بهذا الخط، بل أن هناك العديد من الشعوب التي لا تتحدث العربية، ولكنها كتبت بالخط العربي مثل الفرس، وشعب إندونيسيا، فالخط العربي لا يُعتبر مجرد أداة للكتابة، بل هو جزء من الهوية الثقافية والحضارية للعالم العربي والإسلامية. واستمد الخط العربي تلك القداسة والمكانة الكبيرة في الحضاره والوجدان العربي والإسلامي من وجوده في أغلب التحف المنقولة، وحتى الثابتة كحلية زخرفية وجمالية مميزة، وكذلك على العمارة الإسلامية بكافة أنواعها، وفي عشرات الآلاف من المصاحف المخطوطة سواء في العصور المبكرة أو العصور الحديثة. ويشمل الخط العربي تراثًا ثقافيا غنيًا ومتنوعًا، فهو يمثل فلسفة وأسلوب حياة، وقد تم إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية من قبل منظمة اليونسكو، لأهميته التي تكمن في كونه أداة فنية وتعبيرية تخدم لغة القرآن الكريم، وتعكس جمال الفكر العربي والإسلامي، بدايةً من الإصلاحات العربية على يد أبو الأسود الدؤلي، ومن قبلها التحول في شكل الخط والكتابة من النقوش النبطية، حتى الخطوط الحجازية، ثم الجماليات وفلسفة الجمال والرؤية التي وضعها ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي.

كيف يكون الخط العربي سبيلًا لترسيخ الهوية؟
الخط العربي يمثل الهوية الثقافية للأمة العربية والإسلامية، لأنه يجمع بين العلم والدين والثقافة، ويُعد وسيلة لترسيخ القيم الدينية والتاريخية. والبعد عن هذا التراث يكبدنا نوع من أنواع الغربة الثقافية بين الإنسان ومحيطه. لذلك فالكتابة باستخدام الخط العربي في المحافل العامة، والمساجد، والأدب، والأشعار، وعشرات الزخارف المعمارية يعزز من الانتماء الثقافي ويحفظ الذاكرة الجماعية، ويؤكد على قيم التفرد العربي والإسلامي في مجال الفنون والآداب والثقافة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الخط العربي كوسيلة لمواجهة تحديات العولمة والاحتفاظ بالخصوصية الثقافية لأنها عامل الوحدة التي يجمع بين دول الخليج و شمال إفريقيا وغربها وبلاد ما وراء النهر، وحتى الصين، وإسبانيا في عصرها الإسلامي. لذلك فإن مفردات الحضارة الإسلامية ستقف لأي عملية صهر للمنطقة ومفرداتها الثقافية بالمرصاد.

                                                                             الدعم التعليمي والثقافي

وما طرق دعمه ونشره والتشجيع على تعلمه؟
تتعدد الرؤى في دعم وتشجيع انشطه الخط العربي، وتنقسم إلى دعم مؤسسي ودعم من المجتمع المدني. ويشمل الدعم المؤسسي الدعم التعليمي ممثلًا في وزارة التربية والتعليم، وكذلك الدعم الثقافي ممثلاً في وزارة الثقافة. ويمكن أن يكون التعليم و تشجيع التدريب على الخط العربي من خلال إدراج دروس الخط في المناهج الدراسية وتعليم الأطفال منذ الصغر، كنقطة بداية هامة ورئيسية في دعم هذا الملف. وكذلك فإن المسابقات والمعارض التي تنظمها الجمعية المصرية للخط العربي، وإقامة معارض للخطاطين هي أمور تعزز من نشره وتقديره خصوصًا بين أوساط الشباب الذي يبتعد كثيراً عن الشأن التراثي. وأيضًا يمكن العمل على استغلال الإنترنت والتطبيقات الحديثة لنشر تعليم الخط عبر منصات إلكترونية وتقديم دروس مرئية، الأمر الذي قد يكون له أبلغ الأثر مستقبلا في التأكيد على تطور الخط العربي. وقد أُطلقت بالفعل مبادرات فردية وجماعية لعمل منصات لتعليم الخط العربي عبر الإنترنت. أما عن الدعم الحكومي للمؤسسات الثقافية والفنية، فهي تعمل على الحفاظ على هذا التراث وتطويره، مما سيؤكد على التطور والاهتمام بالخط العربي.

وهل نجحت مبادرات تعليم الخط العربي عبر الإنترنت؟
نعم، لقد نجحت المبادرات الفردية، مثل منصة “الخطاط” التي تُعتبر تجربة رائدة، حيث تميزت بالتنوع في المادة التي يتم تعليمها للخط العربي، والزخارف، وكانت بمقابل مادي، الأمر الذي يؤكد نجاحها.

هل أخذ فن الخط العربي حقه من الدعم الحكومي والمؤسسي؟
في بعض الدول، يتم دعم الخط العربي من خلال المؤسسات الثقافية والجهات الحكومية التي تهتم بالفنون التراثية، إلا أن الدعم يختلف من بلد لآخر، فمثلًا لدينا في مصر مدرسة “خضير البورسعيدي” لتعليم الخط العربي، حيث تم نشر تلك التجربة على كافه المحافظات الجمهورية، مثل القاهرة ودمياط، وهي تخضع لإشراف وزارة الثقافة، وتقام في قصور الثقافة والمكتبات العامة الموجودة في المحافظات. كذلك قامت المملكة العربية السعودية بتأسيس مركز الأمير محمد بن سلمان للخط العربي، لدعم الأنشطة المتعلقة بالخط العربي وإقامة المعارض ومنح التفرغ للخطاطين. فيما قامت إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة بعمل ملتقى للخط العربي على مدى الـ 20 عام الماضية، مما كان له أبلغ الأثر في استقطاب عشرات من فنان الخط العربي حول العالم، وعرض تجاربهم الفنية بصورة مميزة. لكن المؤكد أن الخط العربي يحتاج إلى مزيد من الاهتمام المؤسسي سواء على صعيد التعليم أو الحفاظ على مهارات الخطاطين التقليديين، كما أنه يحتاج إلى مزيد من الرعاية لتطويره في السياقات الحديثة.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=4679

موضوعات ذات صلة

خبراء ودبلوماسيون: مصر ستظل الحصن المنيع للأمة العربية

المحرر

يوم الثقافة يحتفي بهؤلاء المبدعين في نسخته الأولى

المحرر

عروس السراديب.. مزيج بين التاريخ والفانتازيا

أيمن مصطفى

الشخصية المصرية في ندوة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب

المحرر

هدى بركات تروي العلاقة المعطوبة بين أم وابنتها المشوهة

المحرر

صرخات العالم قبل أن تلتهم حرب التجويع أطفال غزّة

المحرر