ثقافة وأدبسليدر

شاهيناز الفقي لـ”صوت البلد”: الرواية عالمي الأرحب

شاهيناز الفقي

 

في المشهد الأدبي المصري الذي يزدحم بالأصوات والتجارب، تبرز الكاتبة والروائية شاهيناز الفقي كصوت متفرد، استطاع أن يغرس “فسيلة أدب” أثمرت أعمالاً تلقى قبولاً واسعاً، كان آخرها رواية “حتمًا سوف يأتي”، فبقدر ما تميزت مجموعاتها القصصية بقدرتها على إصابة الهدف مباشرة وإحداث تأثير مباشر، وجدت في الرواية “متنفساً أوسع وعالماً أرحب للتعبير عن دواخل النفس البشرية وقضايا الطبقة المهمشة. “صوت البلد”، وضمن حرصها على تقديم تغطية مهنية وعميقة، التقت الكاتبة عضو اتحاد كتاب مصر، في حوار يكشف عن فلسفتها في الكتابة التي لا تعرف “الخطوط الحمراء”، ويتتبع شغفها الدائم بالتحدي مع الذات في كل عمل تخوضه. فإلى نص الحوار الذي نغوص فيه في عوالم “الفقي” الأدبية، ونستكشف آفاق رؤيتها للساحة الثقافية الراهنة.

فوز روايتك “يا شمس أيوب.. هدب الصبح” بجائزة إحسان عبد القدوس كان محطة هامة. ما الذي ألهمك لكتابة هذه الرواية التي تركز على الطبقات المهمشة والصبر الإنساني؟

أعمالي جميعها تُركز على الطبقات المهمَّشة بدرجات متفاوتة؛ فمثلًا في رواية “سعيدة” تناولتُ أوضاع العبيد في أواخر القرن التاسع عشر؛ في عهد الخديوي إسماعيل، وما كانوا يلاقونه من تعذيب وخطف وقتل في كثير من الأحيان، حتى إنّ بعضهم كان يلجأ إلى إنهاء حياته للتخلّص من عذاب الأسر. وفي رواية “سنوات التيه”، ورغم أن الفكرة الأساسية تدور حول الهروب من الزمن والغيبوبة التي يدخل فيها الإنسان طوعًا للفرار من مشاكله، فإنني تطرقتُ أيضًا إلى قضية أطفال الشوارع واستغلالهم جنسيًا، وإلى الفساد في عالمي الطب والمحاماة من خلال شخصية المحامي الفاسد وطبيب النساء الفاسد.كما تناولتُ ذلك أيضاً في مجموعاتي القصصية، وفي رواية “حتماً سوف يأتي”؛ لكن أبرز معالجة لهذه القضايا قد جاءت في رواية “يا شمس أيوب” لأنها ركزت بشكل مباشر على طبقة كومبارس السينما، وهي شريحة مهمَّشة من شرائح المجتمع المصري، وقد أوضحتُ فيها كيف أن القرارات السياسية والاقتصادية في فترة السبعينيات كانت لها تداعيات خطيرة على حياة المصريين من خلال الإسقاط على هذه الطبقة.

تتناول رواية “سعيدة ملحمة العشق والحرية” قضايا العبودية والتحرر. ما هو مفهوم “الحرية” الذي حاولتِ تقديمه للقارئ من خلال شخصية “سعيدة”؟

كانت الحرية في هذه الرواية تحمل أكثر من مفهوم؛ فقد ظهرت بوصفها حرية الدول في زمن كانت فيه بريطانيا تستعمر أجزاء كبيرة من إفريقيا، وحرية الإنسان في مواجهة قضايا الرِّق؛ وحتى اليوم لا تزال قضايا العبودية والاتجار بالبشر تطفو على السطح بين الحين والآخر، مما يعني أن هذه القضية ليست مرتبطة بزمن بعينه، بل بالإنسان نفسه، وبما يمكن أن يمارسه من وحشية في التعامل مع الآخرين بوجه عام، لكن كان هناك مفهوم أعمق للحرية، وهو حرية النفس؛ فالإنسان قد تستعبده نفسه بأمور كثيرة، مثل الحب أو الكراهية أو الانتقام، أو تستعبده بأفكار ومعتقدات هدامة وغير إنسانية؛ ومن ثَمّ فإن حرية الإنسان الحقيقية تبدأ من تحرّر النفس وإيمان الشخص بحقّه في هذه الحرية.

في رواية “سنوات التيه”، نجد طرحاً فلسفياً للهروب من الزمن والواقع. هل تعتقدين أن الأدب هو شكل من أشكال “التيه” الاختياري للكاتب والقارئ معاً؟

الأدب هو المنارة التي يهتدي بها الكاتب والقارىء في رحلة التيه التي يعيشها في هذه الحياة، الأدب أحياناً يكون طوق نجاة للقارىء وللكاتب أيضًا من خلال كلمة أو عبارة يمكن أن تنير في عقله دربًا نحو الخلاص والإيمان والقوة والصمود والسعادة.

كيف تصفين الفارق في الأدوات والجهد بين كتابة الرواية الطويلة، وبين كتابة القصة القصيرة كما في مجموعتك “الدبلة والمحبس”؟

كلاهما مرهق وكلاهما له مذاق مختلف، لكن كتابة الرواية تحتاج إلى صبر ونفس طويل وإعادة الكتابة أكثر من مرة وتعديل الصياغة مرات ومرات؛ فهي مرهقة وممتعة في ذات الوقت، أما القصة القصيرة فهي تحتاج إلى تكثيف واختزال، حيث إنها لون أدبي صعب وله رواده.

انتقلت أعمالك مؤخراً من الأدب المطبوع إلى الشاشة عبر كتابة سيناريو وحوار مسلسل “الذنب”. ما هو التحدي الأكبر الذي واجهك في تحويل أفكارك الروائية إلى نص درامي مرئي؟

التحدي الذي يواجه أي كاتب في تحويل العمل الروائي إلى عمل درامي؛ هو الجهة الإنتاجية التي تتولى تنفيذ العمل وتحويله إلى فيلم أو مسلسل، لكن هذا الأمر والحمد لله لم يُواجهني، لأن مخرج العمل؛ كان مؤمنًا بالرواية إيمانًا كبيرًا، وكان هناك اتفاق مسبق بينه وبين شركة الإنتاج، قبل أن يعرض عليّ تحويل رواية سنوات التيه إلى مسلسل الذنب. وأعتبر أن هذا فيض من عطاء الله لي. ومن وجهة نظري، فإن أكبر صعوبة تواجه الكاتب هي العثور على منتج يتحمس للعمل ويؤمن به.

هل تجدين أن الدراما التلفزيونية هي الوسيلة الأسرع والأكثر تأثيراً للوصول إلى الجمهور العربي مقارنة بالرواية المكتوبة؟

بالتأكيد نحن في زمن الصورة، حيث إن الجيل الجديد؛ هو جيل “الريلز” والفيديوهات القصيرة والقصة الومضة، فمعظم هذا الجيل لا يملك الصبر لقراءة رواية طويلة أو حتى لمتابعة عمل درامي يمتد لعدد كبير من الحلقات. وحاليًا نشاهد أعمالًا درامية لا تتجاوز ست أو ثمان حلقات، وأعتقد أن هذا الشكل سيصبح قريبًا فرصة الكاتب الأساسية لعرض أفكاره. ولكننا نعود مرة أخرى إلى معضلة الإنتاج وصعوبة تحويل كل الأعمال إلى دراما؛ إذ نستعيض عن ذلك بالكتب الصوتية، التي أصبحت منتشرة حاليًا وتحقق نجاحًا كبيرًا.

وهل هناك خطط لتحويل إحدى رواياتك السابقة، مثل “يا شمس أيوب”، إلى عمل درامي قريباً؟

بإذن الله، سنسمع قريبًا أخبارًا جيدة عن تحويل إحدى رواياتي إلى عمل درامي.

ما النصيحة التي تقدمينها للروائيين الشباب الذين يطمحون للفوز بجوائز مرموقة مثل التي حصلتِ عليها؟

النصيحة التي أقدّمها للشباب الروائيين الراغبين في الحصول على جوائز مرموقة هي ألّا يكتبوا من أجل الجوائز. ليكتب كلٌّ منهم بإخلاص من أجل القارئ فقط؛ فحين تكون الكتابة صادقة ونابعة من القلب، ستأتي الجوائز من تلقاء نفسها.

أنتِ عضو في اتحاد كتاب مصر ونادي القصة. كيف ساهمت هذه البيئات الأدبية في تشكيل وعيك الكتابي وتجربتك؟

الوعي الكتابي يعاد تشكيله من خلال القراءة والإطلاع والمشاهدة والاستماع والتأمل، لكن من المؤكد أن عضويتي في هذه الكيانات قد أضافت لي الكثير من خلال التعامل مع المبدعين في مختلف المجالات، وحضور الندوات وقراءة أعمال الزملاء والزميلات بالاتحاد والتعرف على انتاجهم الأدبي.

ما هي القضية الأدبية أو الإنسانية التي ما زلتِ تشعرين أنكِ لم توفيها حقها في الكتابة بعد؟

كتاباتي تنشغل بالبحث عن جوهر الإنسان، عن تلك اللحظة التي يُختبر فيها أمام نفسه وأمام الآخرين. فالإنسان لا يتحدد بما يقوله عن ذاته، بل بما يكشفه حضوره بين البشر. هناك فقط تظهر حقيقته الخفية: هل يميل إلى قيم الرحمة والعدل، أم يترك جانبًا مظلمًا في داخله يقوده ليتحوّل إلى كائن قاسٍ؟ فكل إنسان يحمل داخله بذرتين؛ واحدة تدفعه إلى الارتقاء، وأخرى تسحبه نحو الهاوية، وما يختاره في لحظة المواجهة هو ما يحدد مصيره.

أما بخصوص القضية الأدبية والإنسانية التي أحتاج إلى الالتفات إليها بجدية في هذه المرحلة هي قضايا المرأة في مجتمعاتنا العربية، فمنذ بداية مشواري الأدبي حرصتُ على الابتعاد عن الكتابة النسوية لسببين؛ الأول أنّ هناك العديد من المبدعات اللواتي تخصصن في هذا المجال وحققن فيه حضورًا لافتًا، والثاني هو شعوري بالتحدي ورغبتي في إثبات ذاتي بعيدًا عن القضايا التي تمس المرأة مباشرة. ورغم ذلك، تبقى المرأة حاضرة بقوة في جميع أعمالي الأدبية؛ إلا أنني أشعر اليوم أنها تستحق مني تركيزًا أعمق واهتمامًا أكبر بقضاياها.

 

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=8401

موضوعات ذات صلة

موعد مباراة الزمالك القادمة بكأس عاصمة مصر

محمود المهدي

أستاذ علم اللغة: الروبوت له حدود .. وحياد الترجمة خرافة

المحرر

دينا شحاتة: مزجت الفانتازيا والتراث والواقع في نداهة أصيل

المحرر

هل يُعيد البابا تواضروس كتابة تاريخ الكنيسة القبطية؟

حازم رفعت

خروقات وانتهاكات الانتخابات البرلمانية.. من يقف وراءها؟

محمود كرم

“القصص”.. دراما عابرة للثقافات تتألق في العرض العربي

حسن عبدالعال