ثقافة وأدب

ملحمة آخر الزمان في الصفحات الأخيرة لمحمد أنيس

 بعد آلاف الأعوام، وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، التهبت السماء بصواريخ الأسطول الغربي الرابض لقصف المدن العربية في ملحمة النهاية. هنا وقف إبليس في مملكته وحاشيته يتأمل في البلورة الفائقة مآلات لعبته الأزلية بالبشر، وإلام تنتهي؟!

هكذا تنطلق بنا رواية “الصفحات الأخيرة.. النفس”، والصادرة عن دار “وعد” للأديب محمد أنيس، وقد كانت على مائدة “ملتقى السرد العربي” بالقاهرة، بحضور كوكبة من أهل الأدب والفن والإعلام، وبحضور الفنانة سميرة عبد العزيز.

تستدعي الرواية أحداث آخر الزمان من كتب الصحاح في الحديث النبوي ويمزجها الكاتب بسيناريو يرتبط بعالمنا المشتعل بحروب تحصد الأبرياء، ونرى كيف لم ينعكس التقدم الفائق على روح سكان الأرض. تنتصر الرواية لجيل مهزوم باستدعاء المستقبل؛ وعبر 680 صفحة، يسافر الأبطال في رحلة عبر الزمان والمكان، وتعلو روح المقاومة عند جيل جديد يحمل أسماء آبائه ومنهم القائد “صلاح الدين” وقد أدرك ما فاته من علوم الدنيا، وأدرك كيف يبني الأوطان.

في المقابل تظهر “الصفحات الاخيرة” كيف يعيث أبناء المستعمر القديم غيّا وتجبّرا ويحيكون المؤامرات لاحتلال أقداس العرب ونهب ثرواتهم وقصف مدنهم بلا هوادة، فنرى حروبا تقليدية ثم بيولوجية ثم تعود البشرية لأدوات الحرب القديمة كالمنجنيق. ويحتشد جيش الإنقاذ العربي لمواجهة كل تلك الحروب، فيما يهم الشيخ عبد القادر لعلاج وهن القلوب في مشفى خاص يشبه “المدينة الفاضلة”.

هنا في متن الرواية لا يواجه الأبطال فقط أعداءً بشريين بل أيضا أبناء الذكاء الاصطناعي ممثلا في “الروبوت” الساعي للهيمنة على القوة النووية. ونظل عبر الصفحات نتراوح بين الخيال والنبوءات الدينية الصحيحة والتي تنتهي بظهور “المهدي” وتحرر فلسطين وتحقق الوعد الإلهي.. عندها فقط يتهلل وجه الشهداء أبديًا.

صيانة الإبداع الكوني

استفاد المؤلف من خلفيته المعرفية كأديب ومهندس نووي، سبقت له كتابة مسرحيات قدمها على خشبة مسارح الثقافة في الإسكندرية وفازت بجوائز عدة ومنها “ظلال قرطبة” و”الصيحة”، كما أصدر مجموعات قصصية.

يقول محمد أنيس ردا على أسئلة القاصة عزة عز الدين مديرة اللقاء: لقد خلقنا الله لصيانة الإبداع وإعمار الأرض، وللأسف تراجع العرب عن زمن نهضتهم، وأصبحنا نتجه لأعمال تجارية بعضها يروج صورة سلبية للمصري كبلطجي ومنحرف.

يستطرد المؤلف: تربيت في بيت معلم تاريخ ومعلمة موسيقى، وعرفت منذ نعومة أظافري طريق الكتب والثقافة والفن الراقي، وأحببت نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، لكنني شعرت بانتماء لمدرسة التفكير الكوني تلك التي قادها د.مصطفى محمود رحمه الله بروح الفيلسوف والعالم، كما تشبعت بقراءات دينية أثقلتني وكنت معجبا بكتابات الغزالي والشعراوي وعبد الحليم محمود، وروايتي الأخيرة هي رؤية لنهوض العرب من جديد.

أدب المستقبليات

خلال الندوة، أكد د.عمرو حلمي- وزير الصحة الأسبق- أن العمل يحمل نبوءة صيغت على نار هادئة حول مستقبل عالمنا، وهو يذكر بما قدمه الراحل مصطفى محمود وكان يتأمل في كل شيء بحياته، ولهذا استطاع أن يقدم نظرة تجمع العلم والإيمان بصدق شديد. ولدينا أدباء كبار استطاعوا التنبؤ بمستقبل العالم ومنهم أنيس منصور، وقد كتب عن الإنسان الذي يخترع أقراصا تعوض تناول الخضروات واللحوم، وكان توفيق الحكيم يهتم بتلك النظرة ففي إحدى أعماله يظهر لنا كيف ينفذ اهل الأرض للفضاء. والجميل أن الرواية تتناول أمراض القلوب المختلفة بما يذكرنا بكتابات أبي حامد الغزالي، وكأننا إزاء مدينة فاضلة تعالج تلك العلل في القلب.

من جانبه أكد د.رضا عبد السلام رئيس إذاعة القرآن الكريم السابق، أن منزع الرواية باستلهام شخصيات قرآنية هو أمر ملموس، إضافة لاستدعاء شخصية “إبليس” ورمزيته في الشر، والكثير من المعارك الغيبية، وهو طرح يعين الشباب على فهم عالمنا في ضوء هويته.

هرمجدون في مخيلة الغرب

المؤامرة حقيقية ونعيشها مهما حاولنا التعامي، هكذا يشير د.حسام عقل الناقد الأدبي ورئيس ملتقى السرد العربي، مشيرًا لـسفر”الرؤيا” (16:16) وفيه سنجد تفاصيل معركة هرمجدون الكبرى في أرض الشام باحتشاد ملوك الأرض؛ وقد ظل رؤساء امريكا يستدعون ملاحم الشرق والغرب ومنهم “بيجن” و”جورج بوش” الذي تحدث عن المعركة الصليبية في العراق؛ وهو بلد دمره الغرب وقتل منهم مليون ونصف ثم قدم وزير الخارجية البريطاني اعتذارا باردا بعد أن تم تخريب بلد بأكمله وتقسيمه لكانتونات وطوائف، وسلب ثرواته.

تستند الرواية لأحاديث صحيحة منسوبة للنبي وصحابته الكرام عن أحداث نهاية الزمان، وفكرة أشراط الساعة والاجتماع في اغداق دابق بجيش المسلمين، ولهذا فالرواية تدخل بجسارة في حقل ألغام- كما يؤكد “عقل”؛ فنرى شخصيات مثل ابراهام لنكولن الرئيس الأمريكي الذي قاد ضم الولايات المتحدة وتحرير العبيد وتم اغتياله، يأتي حفيده ليقود معركة فاصلة ضد العرب.

يؤكد “عقل” أن الرواية قادت تلك الملحمة بخيال لاهب ولغة شاعرية متدفقة ولكنها تستند للوقائع وللعلم، وهي في ذلك تذكرنا مثلا برائعة اورويل “1984” والتي تنبأت بتهميش الإنسان لصالح الآلة، بل وحتى “ثرثرة فوق النيل” لمحفوظ حين تنبأت بالهزيمة قبلها بعام واحد، و”الشمعة والدهاليز” للطاهر وطار حين تنبات بعشرية الجزائر السوداء. ويرى الناقد أن الرواية “ماموث” ضخم يصعب على روائي عادي خوضه، خاصة مع ثبت المراجع في نهايتها والذي يحيلنا لسنوات قضاها مؤلفها في قراءة الحضارات والكتب المقدسة والتاريخ، ولكن الحبكة السينمائية التي وضعها الكاتب جعلتها أشبه بفيلم تشاهده.

نعيش هذا الواقع حاليا تحت تهديد قادة القوى الكبرى اليمينيين؛ بين أوروبا وأمريكا، ويفصلنا عن سيناريو الرعب كبسة زر واحدة من أحدهم، وكما يقال: رصاصة واحدة تنطلق فتتبدد الحكمة، لذا يرى “عقل” أن الرواية تحمل نبوءة لعالمنا تستند لخبرة كاتبها، ورسالة مفادها ان مغالبة العدو لا تكون بغير تأهب، وليس بالدعاء وحده، او كما فعل الخديو إسماعيل حين امر المشايخ بإنهاء ختمة لصحيح البخاري لكنها لم تمنع هزيمته المُنكرة.

تخبرنا الرواية أن حمل أغصان الزيتون لن يحمي العرب من عدوهم؛ لأن العالم لا يؤمن بالتعايش مهما رفع شعارات السلام، وتنتهي الفصول بحالة روحانية لأنبياء الله والملائكة والشهداء في قبة السماء يتصافحون، وهو ما يفتح باب الأمل لأمة أنهكتها الهزائم.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=4634

موضوعات ذات صلة

تكريم محمد حمام في ملتقى الخط العربي

المحرر

دينا شحاتة: مزجت الفانتازيا والتراث والواقع في نداهة أصيل

المحرر

محمد الفخراني: أكتب ما أصدقه والأدب يرفع سقف الممكن

المحرر

أسرار عالم الدعاية والحرب النفسية في “عقول خفية”

المحرر

أساتذة الحديث يفندون مزاعم كاملات عقل ودين

المحرر

رحلة فلسفية بين الحلم واليقظة في تميمة العاشقات

المحرر